مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: إنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ


السيد علي عباس الموسوي

 



عندما بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم أنبأه عن عظيم ما أُوكِلَ إليه والمشاق التي سوف تعترضه، ودعاه إلى أن يتحمّلها بصبر وثبات، فوفى النبي بعهد الله عزّ وجل وتحمل الكثير في سبيل الدعوة. وعندما دعا النبي الناس إلى الإسلام، أنبأهم بعظم المسؤوليّة الملقاة على عاتقهم، فآمنوا به صدقاً لا طمعاً فكانوا أهل الثبات والاستقامة. وخاض النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخاض المسلمون معه ممن آمن حقاً وصدقاً حروباً ولاقوا المرارات، ولكن الثبات كان موقفهم الدائم وهو الذي حقّق لهم النصر والعزة. وهكذا سجل الإسلام في تاريخه ظاهرة غريبة هي حالات الإخلاص والحب لهذا النبي والفداء الذي كان المسلمون يعيشونه تُجاه شخص النبي، فكانت علاقة العاطفة بين المسلمين والنبي علاقةً مميزة على مرّ التاريخ، استوقفت علماء الاجتماع عند سرّ تأثير شخصيّة النبي فيهم، وعند سرّ هذا الفداء الذي كانوا يعيشونه أمام الإسلام وأمام نبي الإسلام.

لم يدرك الغرب على الرغم من التطور الذي وصل إليه في مختلف مجالات العلوم، حتى الإنسانية منها كعلم النفس والاجتماع، أنّ في النفس الإنسانية فطرة إلهية مزروعة، وأنّ الاستجابة لهذه الفطرة هي التي تجعل من الإنسان إنساناً بالمعنى الإسلامي والقرآني. إنّها فطرة حب البقاء والخلود. وحيث إن الفناء في هذه الدنيا هو مصير كل بشري، ولا يمكن لأحد أن ينكر الموت الذي يشكل نهاية لهذه الحياة الدنيا، فلا بد من الاعتقاد بوجود حياة أخرى وراء هذه الدنيا بكل ما فيها، وتلك الحياة الأخرى أرقى وأعظم من هذه الحياة. فعجْزُ الغرب عن الإيمان بهذه الحياة، وعن الاعتقاد بها، لأنّه لم ير أمامه إلا الحياة المادية، جعله عاجزاً عن فهم سرّ تلك العلاقة التي تربط الإنسان المسلم المؤمن بعالم آخر وراء هذا العالم، عالم يجعله يضحي بكل ما يملكه في هذا العالم في سبيل ضمان حياة سعيدة في ذلك العالم.

كما عجز الغرب عن فهم تلك العلاقة التي تربط المسلمين بنبيّهم وأنّها ليست علاقة إعجاب وتعظيم لدور قام به في هذه الدنيا، أو لمجد بناه أو عز أقامه، بل لأنه الذي يقودهم في الحياة الحقيقية في ذلك العالم. فهي علاقة تتعدى الارتباط الدنيوي إلى ارتباط مستمر حتى في تلك الحياة. وعجز الغرب عن فهم أن الإنسان المسلم في علاقته برسول الله يتعدى كل العلاقات التي ينسجها البشر بين بعضهم بعضاً في هذه الدنيا، وأنها ليست من ذلك النوع من العلاقة التي تربط أفراد مجتمعاتهم بزعمائهم وقاداتهم، والتي قد تتبدل وتتغير، فهي علاقة ثابتة أزلية سرمدية.

وعجز الغرب عن فهم الانقياد التام الذي يعيشه المسلم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يتخلف عن الطاعة له، بل ينقاد دون رقيب أو حسيب بالطاعة والولاء له. وعجز الغرب عن فهم أن المسلم ينطق بالشهادة لرسول الله في كل يوم مرات ومرات، وأن علاقة عاطفية تربط المسلم بهذا النبي. وعجز الغرب عن فهم أن المسلم يردد دائماً: (يا رسول الله فداك نفسي ودمي وأبي وأمي وأهلي وولدي وكل مالي وما خولني ربي فداء كرامتك وعرضك وشرفك). إن السر في ذلك كله أن المؤمن عندما يهدد ويتوعد بالويل والثبور كما توعّد فرعون السحرة لمّا آمنوا فإنه ينطق صادقاً وبلسان القلب قائلاً: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (الحجر، 95).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع