تحقيق: فاطمة زعيتر مطر
من عبق التراب الجنوبي ودفء السّهل البقاعي، من طهارة الأرض وشموخ الجبل، من رياحين جبشيت وقداسة النبي شيت، استقى "الغالبون" سحره؛ فبدا في أبهى حلله فنياً، والأضخم إنتاجياً والأوسع جماهيرياً. هو الأغنى عن أن يُعرّف، أشهر من نارٍ على علم، حيث حظي جزؤه الأول بأعلى نسبة حضور جماهيرية بين مسلسلات دراما المقاومة والدراما اللبنانية، في لبنان والعالم العربي على السواء. أطلّ علينا مسلسل "الغالبون" في جزئه الثاني، وحلَّ في ضيافتنا فاستبدل السهرات الرمضانيّة التراثيّة بسهرات العزّ والجهاد وزادها نوراً وتألقاً. جسَّدَ تاريخ المقاومة اللبنانية الإسلامية في أروع المشاهد التمثيلية الحيّة التي اكتنفها الكثير من التشويق والواقعية. وبعد أن صوّر لنا جزؤه الأول، بدايةً، العمل المقاوم مع شيخ شهداء المقاومة الشيخ راغب حرب رضي الله عنه روى لنا جزؤه الثاني مشاهد مصوّرة عن العمليات البطولية الاستشهادية والاقتحامية التي ازدادت وتيرتها في زمن سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي رضي الله عنه.
* ضخامة في الإنتاج والعمل
ذكر منتج مسلسل الغالبون بلال زعرور، أن "كلفة إنتاج الجزء الثاني من المسلسل كانت عالية جداً"، نظراً لضخامة العمل". وبالمقارنة مع الجزء الأول، فقد تطلب المسلسل زيادة عدد الممثّلين؛ نظراً لارتفاع وتيرة عمليات المقاومة التي تمّ تجسيدها، وانطلاقاً من اختلاف السيناريو المعتمد. فالجزء الأول كان يحاكي مرحلة الاحتلال الصهيوني لكامل أراضي الجنوب بين عامي 1982 و 1986، في حين أن الجزء الثاني يعيد تصوير احتلال الصهاينة لعدد من الأراضي اللبنانية وتحرير مناطق أخرى. وقد شكّلت نقطة انطلاق لعمليّات المقاومة وذلك في الفترة الممتدّة من 1986 حتى 1992". وأضاف أن "عمل المقاومة في الفترة التي يتناولها الجزء الثاني قد أصبح أكبر وأكثر فعالية، كما زاد عدد القادة الشهداء"، مشيراً إلى أن "عمل المقاومة تطور مع مرور سنوات على تأسيسها ومن هنا عكس الـجزء الثاني من مسلسل الغالبون هذا التطور عبر إنتاج فني أضخم". وتحدث زعرور عن تكتيكات العمل المقاوم منذ بداية عمليات اقتحام المواقع الإسرائيلية وإلى عهد العمليات الاستشهادية وتطوّر العمل التنظيمي لحركة المقاومة في تلك الفترة".
* اختيار الشخصيات والمواقع
أما في خصوص اختيار شخصيّة السيّد عباس الموسوي فاعتبر زعرور أنّه قد خضع لمعايير وشروط دقيقة في محاولة لتقديم هذه الشخصية بشكل لائق. من هنا تمّ اختيار نجله السيد ياسر الموسوي الذي يتناسب أداؤه مع روحية هذه الشخصية العظيمة سواء من حيث الشكل أم المضمون والأداء. واعتبر زعرور أن المسلسل استطاع تجاوز العقبات التي يمكن أن تواجه أي عمل فني من هذا النوع حيث تم التصوير في 400 موقع، وهذا ما يشكل بحد ذاته عقبة كبيرة تتمثل في اختيار تلك المواقع بالإضافة إلى العديد من الأمور اللوجستية.
* داغر: "مع الغالبون عرفت مأساة الجنوبيين"
أما بالنسبة للممثل بيار داغر الذي تابع تمثيل شخصية "شلومو"، فقد اعتبر أن "بنية هذه الشخصية قد أصبحت أقوى مما كانت عليه في الجزء الأول. وقد ساعد على ذلك سلاسة المخرج وتفهمه للممثلين أثناء فترة التمثيل"، كما أن بيار داغر قد طوّر أداءه للّغة العبرية بسبب تكرار النطق بها وقد ساهم ذلك في إنماء اللهجة عنده أيضاً. بالإضافة إلى أن داغر ومن مثّل معه باللغة العبرية لم يعمدوا إلى تعلم تلك اللغة إنما كانوا يكتسبونها من خلال اللفظ وحفظ العبارات عبر مساعدة شخص متخصّص بذلك. واعتبر داغر أن "الغالبون في جزئه الثاني أغنى من الأول من حيث الأحداث والمشاهد وضخامة الإنتاج". ولفت إلى أنّ "كل دور يمثله صاحبه يُغني ثقافته". وأضاف أنه "بتعاطيه مع الغالبون تعرّف إلى مأساة أهل الجنوب من خلال تجسيد تجربة حية من وحي الواقع، وهي تمثل بانوراما يومية كان يعيشها لبنان". وتابع حديثه بالقول: "إن من مثّل دور المجاهدين في صفوف المقاومة قد تسنّى له أن يتعرّف عن قرب إلى حياة المقاومين، بينما شخصية "شلومو" التي قام هو بتمثيلها، قامت بتعريفه على تفاصيل القادة الصهاينة وعلى أعمالهم الوحشية". وختم حديثه متمنياً أن "تكمل سلسلة أعمال المقاومة طريقها في التمثيل، لإيصال فكر المقاومة ومعاناة اللبنانين".
* باسم: كنت في غاية السعادة بدور المجاهد
أما الممثل باسم مغنية الذي أطل وجهاً جديداً في الجزء الثاني من مسلسل الغالبون، فقد حمل اسم "قاسم" المجاهد الذي اعتقل في معتقل الخيام، ولم يبح للعدو بسرٍّ واحدٍ من أسرار المقاومة، على الرغم من كل وسائل التعذيب التي استخدمت معه. الممثل باسم مغنية كان في غاية السعادة أثناء أدائه لدوره الجهادي، واعتبر أن هذه التجربة من أجمل المحطات الجميلة في حياته، وذلك بسبب حسن التعامل معه من قبل طاقم العمل. وأحسّ مغنية وكأنه كان في ضيافة فريق العمل وختم قائلاً: "بعد كل مشهد من مشاهد الضرب والتعذيب الذي كان يقوم بتمثيله، كان يأتي المخرج ويحضه على حسن أدائه لدوره".
* ضخامة الأكشن في المشاهد
الممثل محمد علاء الدين الذي لعب دور "عائد" الشاب المقاوم والذي اقتصر دوره في الجزء الأول على حياته الجهادية، فإن دوره قد تعدى ذلك في الجزء الثاني؛ حيث "تزوج عائد من شقيقة المجاهد رضا" وذلك بحسب ما ذكره علاء الدين. كما أضاف أن ما يميز "الغالبون" في هذا العام هو الجهد الذي تم بذله نظراً لطبيعة العمليات التي اختلفت من دفاعية إلى هجومية. ومن وجهة نظره، فإن "الغالبون" صنع نجوماً جدداً كما أنه لم يكرّس النجومية لدور من الأدوار، بل وزّعها بين مختلف الممثلين. ورأى أن النقلة النوعية التي حققها الغالبون في تاريخ الدراما اللبنانية هي من حيث ضخامة "الأكشن" في المشاهد. وأكد محمد علاء الدين أن "الغالبون" أعطاه فرصة للتعرف إلى عدد كبير من الممثلين. أما دوره فقد شكل بالنسبة له نقلة نوعية في حياته المهنية نظراً لأهمية المسلسل وصداه عند الجمهور، فقد "كان يلعب دائماً دور الشرير في المسلسلات التي يمثلها، أما في "الغالبون" فكان دوره يتناسب مع شخصيته وقد أحبّه ومثّله بكل عفوية، وبلهجة جنوبية ودون أي تكلُّف أو تصنُّع". وشدد علاء الدين أنه في كل مسلسلات المقاومة، هو لا ينظر إلى مساحة الدور، بل يشرفه أن يؤدي ولو دوراً صغيراً في أي مسلسل من مسلسلات المقاومة التي تخط على طريق "الغالبون". وعلى الرغم من أن الممثل علاء الدين يغيب عن معظم مسلسلات الدراما اللبنانية التي يرفض التمثيل فيها للحؤول دون الوقوع في الإشكالات الشرعية والتي تتعارض مع التزامه الديني، فإنه لا يطمح إلى الشهرة من خلال أداء دوره في "الغالبون"، بل إلى إيصال رسالة وثقافة المقاومة التي هي الأهم لديه.