إعداد: هبة عباس
إن نعيش في بيئة نظيفة، طبيعية وغير ملوثة كان ليكون أمراً مسلماً به لولا الفوضى والإهمال في طريقة عيشنا وتعاملنا مع البيئة المحيطة لنصل في النهاية إلى جني ما اقترفناه بحق هذه البيئة من تزايد لأمراضٍ أصبحت قادرة على التطور والتكيف والتغيُّر فتعود في كل عام أشد قوةً ووقعاً على صحتنا وصحة أطفالنا. "بقية الله" ألقت الضوء على موضوع البيئة المتضررة وأثرها في انتشار الأمراض مع الاختصاصيين في المجالين الطبي والبيئي، فكان لنا لقاء مع الدكتور محمد عوَّاض المختص في المجال البيئي والطبيب الأخصائي في الجهاز التنفسي العلوي الدكتور محمد حمد.
* إخلال بالتوازن البيئي
الدكتور محمد عوَّاض، بدايةً، أكد أنّ الإنسان هو العامل الأول في إحداث التغيير البيئي، والإخلال الطبيعي البيولوجي في البيئة المحيطة (الأرض، الماء، الهواء) موضحاً أن الإنسان، ومنذ وجوده، وهو يتعامل ويحاول التحكّم بمكونات هذه البيئة ليزداد مع توالي الأعوام تسلّطاً بها؛ خاصّة بعد أن يَسَّرَ له التقدّم العلمي والتّكنولوجي مزيداً من فرص إحداث هذا التغيير بما يتناسب مع حاجته إلى الغذاء والكساء والمأوى.وكمثال على قدرة الإنسان على الإخلال بتوازن بيئته المحيطة رأى الدكتور عوَّاض أن قطع الإنسان لأشجار الغابات وتحويل أراضيها إلى مزارع ومصانع ومساكن والإفراط في استهلاك واستخدام الأسمدة الكيميائية والمبيدات بمختلف أنواعها وعدم المحافظة على المياه الجوفية صافية نقية، كلها عوامل ساهمت في تزايد هذا الاختلال البيئي ما انعكس في نهاية المطاف سلباً على حياة وصحة الإنسان.
* بيئة ملوّثة.. موت مبكر
وأشار الدكتور عوّاض إلى أنّه توجد إحصائيات تُقدِّر أن واحداً من كل خمسة أطفال في المناطق الأكثر فقراً في العالم لن يعيش ليحتفل بعيد ميلاده الخامس بسبب الأمراض المتأتية من البيئة الملوّثة المحيطة، وأنّ 11 مليون طفل يموتون سنوياً في جميع أنحاء العالم بسبب أمراض الملاريا والإسهال والتهابات الجهاز التنفسي الحادّ التي يسبّبها تلوث المياه والهواء. ونقلاً عن دراسات جديدة صدرت عن معهد "بلاك سميث" الأميركي أكدّ الدكتور محمد أنّه يوجد أكثر من عشرة ملايين شخص في ثمانية بلدان مختلفة يعانون من الوفاة المبكرة وأمراض السرطان والجهاز التنفسي لأنّهم يعيشون في أماكن ملوثة بيئياً، مضيفاً: "أدى ازدياد تلوث الهواء في لبنان مثلاً إلى انتشار أمراض الربو والتهاب الجهاز التنفسي بكثرة خلال السنوات الماضية لا سيما بين الأطفال حديثي الولادة ما يثبت أن ازدياد التلوث يؤدي إلى انتشار الأمراض وخاصة بين الفئات الأقل مناعة وتأقلماً مع هذا التلوث، أي الأطفال".
* تلوّث المياه الجوفية
وفي الختام لفت الدكتور عوَّاض إلى أن أمراض الكوليرا، التيفوئيد، التهاب الكبد الوبائي، الملاريا، البلهارسيا، أمراض الكبد وحالات التسمم تنتشر عادة بسبب تلوث المياه الجوفية. أما أمراض الجهاز التنفسي العلوي، والربو وحتى السرطان فهي أمراض تأتي بسبب تلوث الهواء بدخان المصانع، ومولدات الكهرباء، وعوادم السيارات وغيرها.
* مواد مسرطنة
وبالانتقال إلى الجانب الطبي للموضوع ولمعرفة مدى تأثر جسم الإنسان بتلوث النظم البيئية المحيطة بنا تحدث الدكتور محمد حمد وهو أخصائي في الجهاز التنفسي العلوي مؤكّداً على العلاقة الوثيقة بين الإنسان ومحيطه، ما يجعله مؤثراً ومتأثراً به في آن معاً وبالتالي يجعل الأمراض بدورها قادرة على اجتياح جسم الإنسان بسهولة أكبر في حال كانت هذه النظم البيئية ملوّثة. وأوضح الدكتور حمد أن طريقة انتقال الأمراض الأكثر شيوعاً في وقتنا الحاضر هي عبر الهواء الذي أصبح ملوّثاً بالعديد من المواد المضرّة المتأتّية من عوادم السيارات أو مولّدات الكهرباء أو المعامل والمصانع، مضيفاً: "قام دكتور صديق لي ببحث عن عدد المواد المسرطنة التي قد تخرج من عوادم السيارات فقط ليثبت بالدليل العلمي أن هناك نحو 220 مادة مسرطنة في هذا الدخان الصّادر والتي قد تسبّب أمراضاً كالتهاب الحنجرة، التهاب الشُّعب الهوائية وحتى التهاب الرئة بشكل كامل". ومن مضارّ دخان السيّارات والمصانع انتقل الدكتور حمد ليتحدّث عن مضار دخان السجائر والنراجيل حيث أكّد أنه قد أُثبت علمياً أن استنشاق هذا الدخان يؤدي إلى شلّ حركة وعمل الكريات البيضاء الموجودة في الجسم البشري والتي تقوم بعملية الدفاع عنه ضدّ أي مرض ما يهيّئ الأرضيّة لاستقبال أي فيروس دون وجود مقاومة ضدّه.
* كائنات ذكية
وأشار الدّكتور حمد إلى أن الفيروسات كائنات ذكيّة جداً لديها خصائص تجعلها قادرة على التكيّف والتطوّر والتغيُّر بحسب البيئة التي توجد فيها لتعود في كل مرة أقوى وأكثر شراسة وقُدرة على اجتياح جسم الإنسان، لافتاً إلى أن البيئة الملوثة المحيطة تساعد هذه الفيروسات وتوفّر لها بيئة حاضنة لتتطور وتنتشر بسرعة أكبر. وفي الختام أيَّد الدكتور حمد وبناءً على معايناته اليومية للمرضى ما لفت إليه الدكتور عوّاض عن ازدياد تلوث الهواء في لبنان في السنوات الأخيرة والانتشار الملفت لحالات الربو وأمراض الجهاز التنفسي لا سيما بين الأطفال، مضيفاً: "الإنسان عدو نفسه والإهمال وقلّة الرقابة من قبل الجهات المختصَّة الموكلة حماية النّظم البيئية المختلفة المحيطة بنا ساهم في إيجاد بيئة ملوّثة ما أدى إلى تزايد الأمراض وتطورها لتؤثر سلباً على صحتنا وصحة أطفالنا".