آية الله العظمي السيد علي الخامنئي دام ظله
* التوحيد في الرؤية الكونية للإسلام
في الرؤية الكونية الإسلامية: جميع ظواهر العالم مخلوقة ومرتبطة بقدرة أعلى. وهذه القدرة هي الله الذي له كل صفات الكمال كالعلم والقدرة والإرادة والحياة...
فمن أعماق الذرة التي لا تُرى إلى أوج الأفلاك والمجرات والعوالم المجهولة، كل هذه تجري بمشيئته ومنقادة إليه. وموجودات العالم - من الإنسان وغيره - عباد له وهم مشتركون في الرجوع إليه. ولا يوجد أحد خارج دائرة العبودية له، حتى ما ذُكر تحت عناوين كالبنوة أو الزوجية أو المثيل له...
وعباده ينالون كل شيء - الفكر والوعي والقدرة والإرادة والإمكانات المادية - منه، فهو مصدر كل شيء وسبب كل حياة.
وهذه الفكرة، هي البناء الأساس والقاعدة الكبرى لكل الأفكار والبرامج والأحكام العملية في الإسلام.
ونغمات التوحيد تصدح في مئات آيات القرآن.
فلنلتفت إلى نماذج منها:
﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلاَّ بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم﴾ (البقرة: 255)
﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إدّاً تكاد السموات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّاً أن دعوا للرحمن ولداً وما ينبغي للرحمن أن يتّخذ ولداً إن كل من في السموات والأرض إلاّ آتي الرحمن عبداً لقد أحصيهم وعدّهم عدّاً﴾ (مريم: 88-94)
* التوحيد في الإيديولوجية الإسلامية
التوحيد القرآني ليس فكرة حيادية وغير مسؤولة. بل هو معرفة ملتزمة، ورؤية فعالة وبنّاءة. فهو منهج فكري لبناء المجتمع وإدارته، ورسم خط سيره (الاستراتيجية) وتعيين هدفه، وتأمين عناصر حفظه واستمراريته، وبتعبير آخر، إن التوحيد من أركان الإسلام بل هو الركن الأساسي فيه.
إن ارتباط العالم والإنسان بالقدرة العليا (الله) يسلتزم هدفيّته وسيره باتجاه مقصد ما، وهذا الارتباط يتضمن هذه المسؤولية: إن الإنسان الذي يمتلك الوعي والإرادة ينبغي أن يتقدم نحو الهدف الصحيح ولا بد أن يتعرف عليه.
إن الخالقية والسيطرة التكوينية لله تستلزم أن يكون زمام التشريع بيده وحده، والجميع (كل الموجودات الواعية المحتاجة إلى قانون) ملزم بإتباع شرع الله (انحصار الألوهية فيه).
إن علم الله المطلق يستلزم أن تكون صلاحية تنظيم القوانين الإنسانية (التي تضمن مصالحهم) بيده وحده.
وعبودية الجميع لله تستلزم أنّ لا أحد من عباده له الحق من نفسه وباستقلاليته بالتحكم بالآخرين (نفي الطاغوت). فالحاكم المدير والمدبر لشؤون حياة الناس هو فقط من يختاره الله (أما بشخصه، مثل الأئمة المعصومون أو بالعلائم والشروط مثل الحاكم الإسلامي في زمن غيبة الإمام المعصوم) وهذا معنى (انحصار الربوبية).
إن التدبر في الآيات التالية يسلط ضوءاً على النهج الفكري للإسلام في التوحيد ومسائله: ﴿ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبّونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبّاً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة لله جميعاً وأنّ الله شديد العذاب إذ تبرّأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتَّبعوا لو أنَّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّؤا منّا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار﴾ (البقرة: 165-167)
* إنحصار العبادة والطاعة لله
علمنا أن التوحيد إضافة إلى أنه رؤية فلسفية، فهو معرفة عملية وبنّاءة، أي أنه عقيدة يقع بناء الحياة الإجتماعية والفردية للإنسان على أساسها.
فلنشر الآن إلى جزء من الخطوط العامة "لنص التوحيد" في القرآن: بناءً على أصل التوحيد، لا يحق للناس أن يعبدوا أو يطيعوا أحداً غير الله، فجميع السلطات التي فرضت على البشرية عبر التاريخ كانت باطلة وخلافاً للحق.
وهذا يشمل الأصنام والآلهة المزيفة ومدعي الألوهية، وأصحاب الأهواء النفسية.. والآيات التالية (من سورة يونس) حيث الحديث عن الشركاء الوهميين من البشر وغيرهم - تبين عرضاً شاملاً لهذه الرؤية: ﴿ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيّلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيّانا تعبدون فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن كنّا عن عبادتكم لغافلين هنالك تبلوا كلُّ نفس ما أسلفت ورُدّوا إلى مولاهم الحق وضلّ عنهم ما كانوا يفترون قل من يرزقكم من السماء والأرض أمّن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتّقون﴾ يونس
وبعد عدة آيات يستمر الحديث بلهجة أقرب إلى الأصنام البشرية ومدعي الربوبية من الأصنام الجامدة والخالية من الروح:
﴿قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحقُّ أن يتّبع أمّن لا يهدي إلاّ أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون﴾ (يونس: 28-35)
من الجلي الواضح أن الهداية والاهتداء أمور مختصة بالموجود الحي والإنساني. لذلك فإن هذه الآية، مختصة بأولئك الذين ادّعوا الربوبية والتدبير واعتبروا أنفسهم شركاء لله أو بدلاء عنه.
إن نفي عبادة مدعي الألوهية - سواء كانوا بلباس الدين (الأحبار والرهبان) أو أصحاب القدرات السياسية والاقتصادية (الطاغوت، الملأ، المترفين) هو من روح التوحيد.
وهذا ما يظهر في الآيات القرآنية:
﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم إلاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون﴾ (آل عمران: 64)
ومن جانب آخر فإن إطاعة العباد المخلصين إطاعة لله.
المجد لكنّ أيتها السيدات الموقرات اللواتي أردتن بتربيتكنّ أن تدفعونا إلى الطريق الصحيح، المجد للسيدات اللواتي كن في جميع أنحاء الوطن معلّمات للرجال في هذه الثورة وهن الآن ما زلن باقيات على ذلك.
الإمام الخميني قدس سره.