مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح الله: طهِّر من الأرجاس قلبي(*)


يتحدّث الإمام الخمينيّ قدس سره في هذا المقال عن الآداب الروحيّة والمعنويّة لإزالة النجاسة الظاهريّة والتطهير من الخبائث، كمقدّمة لطهارة الباطن، والذي بدوره يعبّد الطريق للإنسان أمام السير والسلوك إلى الله سبحانه وتعالى، غاية آمال المؤمنين جميعاً.

•الأنانيّة: حدث أكبر
اعلم أنّ إزالة الحَدَث (ما يستلزم الغُسل) في البُعد المعنويّ هي في الخروج من ذاتيّة الإنسان وأنانيّته، وهي الفناء عن النفس، بل الخروج من بيت النفس بالكليّة، وما دام في العبد بقايا من نفسه، فهو محدث للحدث الأكبر، والعابد والمعبود فيه هو الشيطان والنفس. فمن هذه الجهة يلزم غسل جميع البدن في الطهارة من الحدث الأكبر؛ لأنّه ما دامت عينيّة العبد (التفاته إلى ذاته وأنانيّته) باقية بوجه من الوجوه لم يرتفع الحدث، فإنّ تحت كلّ شعرة جنابة.

•التطهير نورٌ
الحدث هو من القذارات المعنويّة، وتطهيره أيضاً من الأمور الغيبيّة الباطنيّة، وهو نور، لكنّ الوضوء نور محدود، والغسل نور مطلق، وأيّ وضوء أنقى من الغسل! قال فقيه الأمّة الشهيد الثاني قدس سره : "وأمّا إزالة النجاسة فالكلام فيها نحو الكلام في الطهارة، في التزكية بتطهير القلب من نجاسة الأخلاق ومساوئها، فإنّك إذا أُمرتَ بتطهير ظاهر الجلد وهو القشر، وبتطهير الثياب وهو أبعد عن ذاتك، فلا تغفل عن تطهير لبّك الذي هو ذاتك؛ وهو قلبك، فاجتهد له بالتوبة والندم على ما فرط، وتصميم العزم على ترك العود في المستقبل، وطهّر بالتوبة باطنك، فإنّها موقع نظر المعبود".

•الآداب القلبيّة للغسل
وأمّا هذه المكانة، فليست لإزالة الخبث والنجاسات الظاهريّة؛ لأنّها تَنَظُّفٌ صُوَريّ وتطهير ظاهري، والآداب القلبيّة لها، هي أن يعلم السالك أنّه لا يمكن التطرّق إلى محضر الحقّ مع رجس الشيطان، وما لم يحصل الخروج من أمّهات الرذائل الأخلاقيّة التي هي مبدأ لفساد المدينة الفاضلة الإنسانيّة، لم يجد السالك طريقاً إلى مقصوده.

1- تطهير القلب من رجس الشيطان
إنّ الشيطان رأى نفسه ورأى ناريّته، وقال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ (الأعراف: 12)، وهذا الإعجاب بالنفس صار سبباً لعبادة نفسه، وتكبّره، وتحقير آدم وإهانته، وقال: ﴿وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ (الأعراف: 76)، وقاس قياساً باطلاً، ولم يرَ حسن آدم وكمال روحانيّته، بل رأى ظاهره، ومقام طينته، وترابيّته، ورأى من نفسه مقام ناريّته، وغفل عن الشرك وحبّ النفس ورؤيتها، فصار حبّ النفس حجاباً لرؤية نقصه وشهود عيوبه، وصارت هذا الرؤية للنفس والحبّ لها سبباً للتعبّد لنفسه، والتكبّر، والتظاهر، والرياء، والاستقلال في الرأي، والعصيان، وأُبعد عن معراج القدس.

2 - تحصيل التقوى الروحيّة
فاللازم للسالك إلى الله أن:
1- يطهّر نفسه من أمّهات الرذائل والأرجاس الباطنيّة الشيطانيّة عند تطهيره الأرجاس الصوريّة.
2- يغسل المدينة الفاضلة (نفسه المفطورة على الحقّ) بماء رحمة الحقّ والأعمال الشرعيّة.
3- يصفّي قلبه الذي هو محلّ لتجلّي الحقّ، ويخلع نعلَي حبّ الجاه والشرف كي يليق للدخول في الوادي المقدّس الأيمن، ويكون قابلاً لتجلّي الربّ.

وما دام لم يحصّل التطهير من الأرجاس الخبيثة، لا يمكن له التطهير من الأحداث؛ لأنّ تطهير الظاهر مقدّمة لتطهير الباطن، وما لم تحصل التقوى التامّة على وفق دستور الشريعة المطهّرة، لم تحصل التقوى القلبيّة، وبالتالي لم تحصل التقوى الروحيّة الحقيقيّة. وجميع مراتب التقوى مقدّمة لهذه المرتبة، وهي ترك غير الحقّ، وما دام في السالك بقيّة باقية من الأنانيّة، فلن يتجلّى الحقّ عن سرّه.

3 - أن يجد الراحة في هوان الدنيا
ورد في مصباح الشريعة عن الإمام الصادق عليه السلام : "سمّي المستراح مستراحاً لاستراحة النفوس من أثـقال النجاسات، واستفراغ الكثافات والقذر فيها، والمؤمن يعتبر عندها أنّ الخالص من حطام الدنيا كذلك يصير عاقبته، فيستريح بالعدول عنها وتركها، ويفرّغ نفسه وقلبه عن شغلها، ويستنكف عن جمعها وأخذها استنكافه عن النجاسة، والغائط، والقذر، ويتفكّر في نفسه المكرمة في حال، كيف تصير ذليلة في حال، ويعلم أنّ التمسّك بالقناعة والتقوى يورث له راحة الدارين، وأنّ الراحة في هوان الدنيا، والفراغ من التمتّع بها، وفي إزالة النجاسة من الحرام والشبهة، فيغلق عن نفسه باب الكبر بعد معرفته إيّاها، ويفرّ من الذنوب، ويفتح باب التواضع والندم والحياء، ويجتهد في أداء أوامره واجتناب نواهيه طلباً لحسن المآب وطيب الزلفى، ويسجن نفسه في سجن الخوف، والصبر، والكفّ عن الشهوات، إلى أن يتّصل بأمان الله في دار القرار، ويذوق طعم رضاه، فإنّ المعوّل ذلك وما عداه لا شيء".

وفي هذا الكلام الشريف حكم (دستور) جامع لأهل المعرفة والسلوك، وهو أنّ الإنسان اليقظ السالك إلى دار الآخرة، لا بدّ أن يستوفي حظوظه الروحانيّة، ولا يغفل في حال عن ذكر مرجعه ومآله. فإذا رأى أنّ الحطام الدنيويّ ولذائذ عالم الدنيا كلّها زائلة، ومتغيّرة، وعاقبة أمرها إلى الأفول، فيعرض قلبه عنها بسهولة، ويفرغ قلبه عن الاشتغال بها وجمعها، ويستنكف عنها كما يستنكف عن القذارات. فالمؤمن كما يفرّغ نفسه عن الأثقال والفضولات الطبيعيّة، كذلك يريح قلبه من التعلّق والاشتغال بها، ويرفع عنه ثقل حبّ الدنيا والجاه، الذي يذلّ الإنسان ويبتليه بالحساب والعقاب.

4 - إطاعة اوامر الحقّ
على الإنسان أن يعلم أن التمسّك بالتقوى والقناعة موجب لراحة الدارين، وكما أنّه طهّر نفسه من النجاسات الصوريّة (في الوضوء والغسل)، كذلك سيطهّر نفسه من نجاسات المحرّمات والشبهات، وإذا عرف نفسه ووجد ذلّة احتياجها، فيغلق باب الكبر والتعظيم عن نفسه، ويفرّ من العصيان والذنوب، ويفتح على نفسه باب التواضع والندامة، ويجدّ ويجتهد في إطاعة أوامر الحقّ، ويجتنب عن عصيانه، حتّى يكون له حسن المآب إلى الحقّ، ويتقرّب إلى مقام القدس بطهارة النفس وصفائها، وليسجن هو بنفسه نفسه في سجن الخوف، والصبر، والكفّ عن الشهوات النفسانيّة؛ كي يأمن من سجن العذاب الإلهيّ، فيذوق في تلك الحال طعم رضى الحقّ تعالى. وهذا غاية آمال أهل السلوك، وليس لغيره أيّ قيمة.

وفي العدد القادم، نتعرض -بإذن الله- لبيان آداب اللباس المعنوية وطهارته كإحدى المحطات والمقدّمات الخاصّة بالصلاة بين يديّ العزيز الجليل.


(*) مقتبس من كتاب: الآداب المعنويّة للصلاة، في نبذة من الآداب الباطنيّة لإزالة النجاسة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع