السيد علي عباس الموسوي
عندما يتصفَّح الإنسان تاريخ الأنبياء والأئمة والدعاة إلى الله عز وجل، أو عندما يتلو آيات كتاب الله التي تحكي قصص الأنبياء في دعوتهم قومهم للهدى واتِّباع طريق الحق، يجد صبراً عظيماً وعزماً نادراً وطاقةً هائلةً سُخِّرت كلها لأجل الوصول إلى هدفٍ واحد وغايةٍ نهائيّة هي هداية هذا الإنسان إلى طريق الحق وهو ما فيه نجاته في دنياه وآخرته. لقد وفر الله عز وجل للإنسان كلّ السبل الموصلة إلى الهداية، ولكن حيث تعلَّقت إرادة الله بأن تكون الهداية اختياريّة وأن تكون من الإنسان بملء إرادته لم يصل في هذه السبل إلى حد الإجبار والإكراه، فلا إكراه في الدين، ولكن قد بيّن للناس طريقَي الرشد والغيّ.
ولم يكن حرص الدعاة على الهداية من باب أداء الوظيفة أو التكليف، بل كان ذلك من باب الحرص وشدّة الاهتمام والعطف والمحبّة للناس. وقد حدَّثنا القرآن الكريم عن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وعن الحسرة التي كان يعيشها لما يراه من إصرار قومه على الكفر, فقال: ﴿فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ (فاطر، 8). وهذه الحالة يجب أن يكون عليها كلّ إنسان مؤمن في كلّ مكان في هذه الأرض، سواء أكان مبلغاً وداعياً إلى الله عزّ وجلّ فيكون حريصاً ومهتماً بهداية الناس، أم كان فرداً من أفراد المجتمع في البيئة التي يقيم فيها، أم كان أباً في بيته أو أمّاً مع أسرتها، أو أستاذاً في مدرسته.
إنّ الشعور الذي يعيشه الأب في رعايته لأبنائه والأم في تنشئتها لأفراد أسرتها على المستوى الماديّ والحاجات الدنيويّة والذي يتمثَّل بالحرص الشديد على توفير كافّة المتطلّبات، ينبغي أن يكون حاضراً فيما يرتبط بالحياة الأخرويّة والمعنويّة للأبناء. إنّ هذه الحالة من الحرص والاهتمام إذا تحوّلت إلى جزءٍ من شخصيّة الداعية إلى الله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر فإنّه سوف يكون في مأمنٍ من الوقوع في حالةٍ من اليأس من الاستجابة وقبول الدعوة وامتثال الأمر والنهي. إنّها الضمانة لاستمرار العمل في الدعوة إلى الله وفي الإصرار على الوصول إلى هدف الهداية المنشود.
وهذا هو الفارق بين من يؤدّي العمل فقط لأنّه يريد أن يُسقِطَ الواجب عن عاتقه ومن يؤدّي العمل سعياً لتحقيق الغاية والمقصود. وقد أشار القرآن الكريم في معرض حديثه عن دعوة الأنبياء إلى أسباب تخلّف الناس عن الاستجابة إليهم فعدّ منها الحرص على الدنيا، عادات الآباء والأجداد، الجهل وعدم المعرفة. ولكن من الأسباب التي أشار إليها القرآن فقدان القابليّة والذي يتمثّل بالصمم؛ فهؤلاء مع أنّ لهم آذاناً ومع أنّ آذانهم سليمة يسمعون كلّ ما يجري حولهم ولكنّهم أصمّاء. وهذا الصمم ناشئ من غفلة القلب الذي أصبح, لأسباب متعدّدة, لا يمتلك قابلية الهداية، فأصمَّ الأذن عن السماع، فالصوت يطرق الأذن المادية وهي تقوم بوظيفتها من نقل الصوت إلى الدماغ ويقوم الدماغ بوظيفته في تحليل الأصوات وإدراك المعاني ولكنّ القلوب حيث تكون مغلَّفة بالحجب فلن يسمع هذا الأصم شيئاً من الدعاء, قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ﴾ (الأنبياء: 45). وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.