مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مشاهد النور: روضة الجوادين مهوى المحبّين

إبراهيم منصور

 



العتبة الكاظمية المقدّسة كانت ولا تزال بقعةً فردوسيّة يحفها الملائكة المقرَّبون، ويشتهي زيارتها العلماء والصالحون. عتبةٌ طأطأت لها تيجان الملوك، وتمرَّغ بترابها كلُّ عبَّادٍ منيب. عتبةٌ هي مهوى الأفئدة، تُضرب إليها بطون الإبل من مختلف المناطق، فحقّ لها أن تكون قلب الكاظمية النابض بمشكاة النور وألطاف الملكوت الأعلى. هذه العتبة المقدّسة تستقبل المتشوقين إليها من بعيد بقبَّتيها الذهبيَّتين اللتين تُباهيان الشمس ضياءً، وتُناطحان السماءَ علوّاً، ولسان حالها يخاطبُهم: لا أستقبل ملهوفاً إلا أغثته، ولا مكروباً إلا أسعدته ورددتُه إلى أهله مسروراً مجبور الخاطر.. إنها روضة الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد عليه السلام.

* لمحة تاريخية
استُشهد الإمام موسى الكاظم عليه السلام عام 183هـ، ودفن في المنطقة التي تُسمّى الآن الكاظمية، وكانت حينها خارج بغداد وتُسمّى مقابر قُريش. وفي عام 220هـ الموافق 834 م استشهد حفيدُه الإمام محمد الجواد عليه السلام، ودُفن بجوار جدِّه. أوَّل من بنى المرقد الشريف هو معزّ الدولة البويهي عام 336هـ. ثم في عام 367هـ قام عضد الدولة ببناء بيوت في المنطقة المحيطة بالحضرة الشريفة، لزيارة الوافدين والمهاجرين لمجاورة الحضرة. أُعيد بناء المرقد وتوسعتُه عدة مرات، إلا أنه تعرَّض لحريقين: عام 443هـ، وعام 622هـ، فلم يبق من الآثار شيء. بعد الحريق الثاني أمر الخليفة العباسي الظاهر بأمر الله، ثم من بعده ابنه المستنصر بالله، بإعادة بناء المرقد، وأمر الأخير بصنع صندوق ووضعه فوق القبر عام 624هـ. قال الشيخ جعفر النقدي، في كتابه "تاريخ الإمامين" ما نصُّه: "الصندوق الساج المنتصري باقٍ إلى يومنا هذا في المتحف العراقي؛ لأن الشاه الصفوي، بعد أن جاء بصندوقَيْ الخاتم المرصَّعَيْن بالعاج ونصبهما على قبر الإمامين، أرسل هذا الصندوق إلى المدائن ونُصب على قبر سلمان الفارسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله، وعند تأسيس دار الآثار العراقية نُقل من المدائن إليها. وعلى هذا الصندوق كتابات لطيفة، وفيه من أحسن الفن ودقائقه ما لا يوصف وفي كتابته اسم المستنصر بالله وتاريخه 624هـ". وفي عام 769هـ ظهرت الصُّدوع في الحضرة بسبب تتابع الفيضانات، فقام السلطان أُوَيْس الجلائري ببناء قبّتين ومئذنتين، وأمر بوضع صندوقين من الرخام على القبرين.

بعد دخول إسماعيل الصفوي بغداد عام (914هـ 1509م)، زار الحضرة عام 929هـ، فأمر بقلع عمارة الحضرة من الأساس وإعادة بنائها بعد توسيع الروضة وتبليط القاعات بالرخام، ووضع صندوقين خشبيَّين فوق القبرين، كما أمر أن تكون المآذن أربعاً، بدلاً من اثنتين، وبنى مسجداً كان يُسمّى المسجد الصفوي، ثم أصبح الآن يُسمّى محلِّيَّاً باسم مسجد الجوادين.  بعد دخول السلطان سليمان القانوني عام 941هـ، زار الحضرة ووجد أن العمران فيها قد بدأ إلا أنه لم يتمّ فأمر بتكميله وبناء المنبر الموجود اليوم في مسجد الجوادين، وإكمال بناء إحدى المآذن. في عام 1207هـ أمر السلطان محمد بإكمال ما بدأه الصفويون؛ فأضاف ثلاث مآذن أخرى على طراز الأولى التي كان قد بناها السلطان سليمان. من تلك الأعمال أيضاً تأسيس صحن واسع يحفّ بالحرم من جهاته الثلاث: الشرقية والجنوبية والغربية، ويتصل الجامع الكبير بالحرم من جهته الشمالية، وتمَّ تخطيط الصحن بمساحته الموجودة اليوم.

عمارة المسجد
للمسجد قُبَّتان متساويتا الأبعاد، وأربعُ مآذن كبيرة. يبلغ ارتفاع السقف 25 متراً، تعلوه القبّتان المزيّنتان بالزخارف الإسلامية والآيات القرآنية من الداخل، أمّا من الخارج فقد غُلِّفت القبتان بتسعة آلاف طابوقة من الذهب الخالص، وحولهما المآذن الأربع المغلّفة بالذهب أيضاً، والتي ترتفع 35 متراً فوق السقف. وحول القبتين أيضاً أربع منارات صغيرة بارتفاع 5‚4 م.

الصحن والأروقة
يتكوّن الصحن من أربعة أقسام:

1 صحن قريش، وهو القسم الغربي منه.
2 صحن باب القِبلة، في القسم الجنوبي.
3 صحن باب المراد، في القسم الشرقي.
4 وجامع الجوادين، في القسم الشمالي.

للصحن عشرة أبواب لها تسميات محلّيَّة للدلالة عليها، منها ثلاث رئيسة كبيرة للدخول، وهي: باب المراد، باب القِبلة، باب صاحب الزمان عجل الله فرجه. أمّا السبعة الأخرى فهي صغيرة الحجم، تشمل: باب قاضي الحاجات، باب الفرهادية، باب الجواهرية، باب قريش، باب الرجاء، باب المغفرة، باب الرحمة. وللصحن ثلاثة أروقة حوله، سقوفها مزيَّنة بالآيات الكريمة، وتتدلّى منها الثريات. تُستخدم الأروقة للصلاة حين تضيق قاعة الصلاة، الداخلية، عن استيعاب المصلِّين.  وللمسجد أربع قاعات، في الداخل، تحيط بالروضة الشريفة من جوانبها الأربعة: القاعة الشمالية، القاعة الشرقية، القاعة الجنوبية والقاعة الغربية حيث لهذه القاعة باب واحد إلى الخارج يُطلّ على الرواق الخارجي، وفيها قبر العالم والفيلسوف نصير الدين الطوسي.

هندسة الروضة الشريفة
تنقسم الروضة إلى قسمين: جنوبي، وفيه قبر الإمام موسى الكاظم عليه السلام، وشمالي، وفيه قبر الإمام محمد الجواد عليه السلام. ويصل بينهما ممرّان ضيّقان. وقد قُطع جانب من كل ضريح بحاجز حديدي ليفصل بين الرجال والنساء أثناء الزيارة.  جدران الروضة وأرضيّتُها من الرخام، وعلى الجدران نُقشت آيات قرآنية ونقوش زجاجية إسلامية تصل إلى باطن القبَّتين.  أما صندوق الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، فمصنوع من خشب التوت، وهو مستطيل الشكل منبسط السطح، يبلغ طوله 255 سم. أما عرضه فيبلغ 183 سم، وعلوّه 65 سم. يُزيّن حافّات غطائه كتابة نثرية غير متداخلة تبتدئ من عند الرأس، بالآية الكريمة: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (الأحزاب: 33).

* العتبة المقدسة هذه الأيام
بعد زوال النظام الجائر الذي لم يُعر أهمية تُذكر للمراقد المقدّسة، ومنها العتبة الكاظمية التي نالها من التصدُّع والتهميش والإهمال بل والإضرار نصيب وافر، فقد انطلقت، بمشيئة الله وهمم المؤمنين الغيارى، أعمال الصيانة والترميم ومشاريع البناء والتطوير حتى قاربت المائة مشروع، منها صيانة وإعادة تذهيب قبة الإمام الكاظم عليه السلام، وتوسعة الحرم، وصحن أبي الأئمة وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليه وعلى رسول الله وآل بيته الأطهار أعطر الصلاة والسلام.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع