مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قراءة في كتاب: قيم النهوض عند الشّهيد مطهّري قدس سره

إعداد: زينب الطحان


يقول الإمام الخامنئي "دام ظله" في الشهيد مرتضى مطهري قدس سره: "قلما يوجد مثل الشهيد مرتضى مطهري، بهذا الاستعداد وهذه الهمّة العالية للبحث والتنظير. إن كل كلمة أو محاضرة صدرت عنه تمثل عملاً تخصصياً عظيم الفائدة. ولذلك من المناسب أن تكون أعماله الفكرية والفلسفية محوراً لدراسات عميقة. وإن آثار مطهري وأفكاره تمثل الأساس الفكري الذي يقوم عليه نظام الجمهورية الإسلامية". إن لَهذا تقديرٌ عظيمٌ لشخص مطهري ودوره في تلك الحقبة التاريخية من عمر الثورة الإسلامية في إيران.  لم يكن مطهري قدس سره مفكراً فحسب، فقد توزّع نشاطه بين التأليف والكتابة والتدريس، حيث كان يدرّس في جامعة طهران رغم عدم حصوله على شهادة أكاديمية رسمية، كما كان ناشطاً سياسياً ومجاهداً من الطراز الأول.

أقسام الكتاب
في هذا الكتاب، "قيم النهوض : الحرية – العدالة- الاستقلال الوطني"، والذي هو من ضمن سلسلة "أدبيات النهوض"، من إعداد معهد المعارف الحكمية، تعريب محمد حسن زراقط، تنقسم الموضوعات بشكل أكاديمي إلى ستة أقسام، الأول منها بعنوان "الحرية بين الإسلام وإعلان حقوق الإنسان"، تتعدد فيه الطروحات بين حرية العقيدة ومقارنة بين الإسلام والمسيحية، وحرية المعتقد بين القبول والرفض، والدافع الغربي للتحرر وخطأ الإعلان العالمي للحقوق.  وفي القسم الثاني "الحرية المسؤولة بوصفها مدخلاً للإيمان والرشد السياسي"، يتحدث فيه عن الإسلام وحرية التفكير، ويعرض لنماذج من الحرية الإسلامية.  في القسم الثالث "الحفاظ على الهُوية بوصفه قيداً للحرية"، يطرح تجربة كلية الإلهيات.  القسم الرابع "العدالة الاجتماعية" يتمحور النقاش فيه حول العدالة وأصالتي الفرد والمجتمع.  القسم الخامس يركز فيه البحث حول الاستقلال والحرية، حيث يناقش التبعية الثقافية والاجتماعية. وفي القسم السادس والأخير يخصص فيه الطرح للمعنوية في الثورة الإسلامية.  يعالج الشهيد مطهري قدس سره في هذا الكتاب مفاهيم ومصطلحات عديدة من أهمها مبحث "النهوض وقيمه". وهو يقصد به كل تطور اجتماعي يصيب مجتمعنا الإسلامي، لذا يفضل بعض الكتّاب أن يستخدم مصطلح النهضة الحسينية بدل الثورة الحسينية.

ومن هنا يأتي الحديث عن التغيير في المجتمع ودور الإنسان في ذلك. ويدخل ليناقش مفهوم التغيير في المفهوم الماركسي الذي يرى أن المحرك الاجتماعي هو الصراع الطبقي، وهذا الصراع يؤدي أو يرتبط بتبدل وسائل الإنتاج، وما سوى ذلك فهو توابع ولوازم لهذا التغير. وفي مقابل هذه الرؤية هناك من يرى أن التحول الاجتماعي لازم من لوازم الاختيار الإنساني وفق القاعدة القرآنية التي تقرر سنّة من سنن الله في حركة التاريخ وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (الرعد: 11). ويفضي التأمل في هذه الآية إلى أن لله سنناً تحكم حركة التاريخ وتطور المجتمعات أو انحلالها، ولكن هذه السنّة تتألف من ركنين، أو فقل من شرط ومشروط، في الآية الكريمة وهو أمر إرادي يتعلق باختيار الإنسان وإرادته، الأمر الذي يطلق عليه السيد الشهيد الصدر قدس سره المحتوى الداخلي للإنسان.

* قيم النهوض في رؤية مطهري قدس سره
للنهوض شروط وعناصر تشكل بنية متكاملة تضمن لهذه النهضة الوصول إلى غاياتها. ومن أهم هذه القيم التي يحاول مطهري قدس سره معالجتها في مقالات هذا الكتاب، الحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال. وهذه القيم الثلاث مترابطة إلى حد يصعب على المرء ترتيبها ودعوى أن أحدها مقدم على الأخر، فإن الحرية تبدو لأول وهلة أنها على رأس القائمة لتحقيق النهضة. ولذلك كانت محور الأديان السماوية، وبخاصة الإسلام، حيث حدد هدف الدعوة بـ "إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد". ولقد بُنيَ الدين بنظر مطهري قدس سره على الحرية وفق قاعدة "لا إكراه في الدين"، ومن هنا يفتخر مطهري قدس سره بأن الحرية التي هي مصدر اعتزاز الثورة الفرنسية وأحد شعاراتها أُقرت في الإسلام بشكل أولى وأوفق بقيمة الإنسان حيث امتازت بأمور، منها: أنها حرية مسؤولة، فهي ليست عند مطهري قدس سره منحة تقدم للإنسان وتهدى له، بل هي مسؤولية وتكليف ينبع من داخل الإنسان ليدعوه إلى كسر ما يكبّل يديه وفكره من قيود. 

هذا التقديم للحرية تبدو منه أولوية الحرية وتقدّمها على غيرها من القيم المطروحة للبحث والنقاش، ولكن في المقابل هناك تساؤل يصعب الفرار من مقتضياته وهو: أي معنى وفائدة ترتجى من الحرية عندما تنعدم العدالة الاجتماعية ولا تتساوى الفرص، وعندما تتحول الدولة التي يجب أن تكون حارساً ومنظماً للحراك الاجتماعي إلى دولة أَثِرة (ظالمة)؟ عندها تكون الحرية مجرد شكلٍ وقولٍ يفقدان أي فاعلية أو قدرة على التأثير والفعل. وبالتالي من حق الإنسان أن يرفع صوته عالياً ليحتج ويعترض.

* قيمة الاستقلال الوطني
وثالثة الأثافي التي يقوم عليها كيان الاجتماع الإنساني السوي، بحسب مطهري قدس سره، هي الاستقلال الوطني بمعناه السياسي والاقتصادي والفكري. وهذا الأخير يحوز الدرجة الأعلى من حيث الأهمية، في نظر مطهري قدس سره،المسكون بهمّين، همّ الإصلاح والتجديد، وهمّ الحفاظ على الهوية والأصالة. فيرى قدس سره أنّ الثقافة لا يمكن أن تُستورد من الخارج. الثقافة والفكر ينبعان من الداخل ويتم تطويرهما وإصلاحهما. أما الخطر الذي لا يرضى مطهري قدس سره بالرضوخ والاستسلام له فهو أن نستورد فكرة من الخارج ثم نعمل على تهجينها وتدجينها ثم ندّعي أنها من أفكارنا. ربما يكون من حق أيٍ كان أن يعتنق الماركسية مثلاً، ولكن ليس من حقه أن يفسر الإسلام تفسيراً ماركسياً أو أن يجعل الماركسية مقياس غيرها من التيارات والمذاهب. وهذا ما يراه مطهري قدس سره نوعاً من الاستعمار، وهو الأخطر على الإطلاق، ونوعاً من التبعية الثقافية، فالمستعمر أو الإمبريالي حتى يصل إلى ما يريد في مجال الاقتصاد والسياسة يقوم بالاستيلاء أولاً على عقول الشعب ويجعله أسير كل ما هو مستورد حتى في مجال الأدب والفلسفة.

ومن هنا يقول مطهري قدس سره: "إنه لا ينبغي لأمة أن تتنازل عن هويتها لأمة أخرى، أو عن ثقافتها، وإلا تدخل طوعاً تحت نير عبودية الأمة الموردة للفكر". ويبين أن تاريخنا المعاصر عرف جماعة من المهزومين ممّن يسمّون أنفسهم متنورين، وكان هؤلاء فريقين: فريقاً يدعو إلى الانفتاح على الغرب والبلدان الليبرالية، وفريقاً آخر يدعو إلى الانفتاح على المعسكر الغربي الآخر أي البلدان الشيوعية. ومن المصائب المضافة أنه ظهر فريق ثالث متذبذب يلتقط من الشيوعية بعض المفاهيم ويضمها إلى المفاهيم الوجودية، ويلوّن المجموعتين ببعض المصطلحات الإسلامية، ثم يعلن أن هذا هو الإسلام الأصيل ولا إسلام بعده. ويعتقد مطهري قدس سره أن هذا خطر داهم، وأننا سوف نخسر استقلالنا باستيرادنا لهذه المذاهب الفكرية، ويؤكد أننا بهذه الأساليب لن نكون تابعين فحسب، بل سوف نذوب ونضمحل.

يختم مطهري قدس سره ليقول: "إنه في هذا المجال علينا أن نثبت أن رؤيتنا الكونية ومنظومتنا الفكرية الإسلامية لا تنتمي إلى الغرب ولا إلى الشرق، ولا تحتاج إلى أي من الطرفين، بل هي منظومة فكرية لها كيانها المتميز المستقل".  لا مبالغة إن قلنا إن الشهيد مطهري قدس سره سبق العديد من المفكرين والمثقفين الكبار من العالم الغربي، الذين تحدثوا معترفين بدور بلادهم الإمبريالية التاريخي الطويل في القضاء على ثقافة الشعوب الأصيلة المستعمرة والهيمنة على خيراتها الطبيعية والاقتصادية. ولم يكن نعوم تشومسكي، عالم اللغويات الأميركي واليهودي، الأول على مستوى العالم، الذي عانى من اضطهاد وظلم كونه فضح الممارسات الثقافية والسياسية والعسكرية لبلاده في زعزعة بنيان الدول في المشرق العربي والعالم العربي والإسلامي، لتكون هي مصدر الثقافة و"الرب الأعلى" لشعوب العالم. بقي أن نقول: إنه ظلم كبير أن نختصر الجهد الفكري والثقافي للشهيد مطهري قدس سره في هذه العجالة على الورق، فهو عالم كبير يستحق الدراسة والتعمق في كل ما طرحه من قضايا وأفكار نيرة. ولعل أبلغ أسى على فقدان هذا العالم الجليل ما قاله الإمام الخميني قدس سره حين نعى الشهيد مطهري قدس سره: "إني فقدت باستشهاده ابناً عزيزاً، وواحداً من الشخصيات التي أُعدّها حاصل عمري، ولقد ثلم في الإسلام بشهادة هذا الولد البار والعالم الخالد ثلمة لا يسدها شيء".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع