ديما جمعه فواز
فتح بصعوبة جفنيه ونظر حوله، كان وحيداً وسط درب طويل، تعباً وخائفاً، ينظر تارة عن يمينه وأخرى عن يساره ولا يدري هل يتجه شرقاً أم غرباً.
كلا الدربين طويل ولا أفق يحدّهما! وفجأة التفت ليجد شيخاً مبجّلاً مغطّى برداء أبيض، أشار له يميناً وهمس: "هذا الطريق طويل وشاق، فاحذر يا بني.. الدرب مليء بالأشواك والمخاطر، سوف تشعر بالوهن والضعف والغربة، ستعاني من قلة الزاد والأنيس، ستبقى متفكراً طيلة سفرك، فلا تضعف لأنك ما إن تقطع الوديان ستصل إلى مدينة خضراء، تضجّ بسكان طيبين سيخففون عنك متاعب السفر، وتنعم بالرضى والسعادة.. فامضِ بعين الله".
وما هي إلا لحظات حتى التفت الشاب ولم يجد للشيخ أثراً، وحين همّ نحو المشرق فوجئ بعجوز يرتدي جلباباً أسود طويلاً، اقترب منه بحزم قائلاً: "دعك من ذاك الخَرِف! طريقك يساراً محاط بالنِعم والملذات، ستلقى الكثير من المحبين وتتمتع بوفرة من المأكل والملبس.." تنهد الشاب من أعماقه سعيداً وسأل العجوز: "وإلى أين يقودني هذا الدرب الحريري؟" هز العجوز كتفيه بلا مبالاة وأجاب: "لا تبالِ بالنتيجة، المهم هو النزهة واللذات التي ستنعم بها، ولكنك ستصل بعد مشوارك الطويل إلى أعداء لك، سيقطعون أوصالك ويحرقونك حياً!"
امتلأ قلب الشاب ذعراً وصاح: "أفضّل الطريق الشاق والمتعب مئة مرة على أن أصل إلى النهاية المرعبة التي تعدني بها!" واتجه يميناً بعد أن شحذ همته لرحلته الشاقة.. تلك حياتك، أخي، رحلة أهل اليمين المتعبة في درب الدنيا الفانية والمؤدية إلى جنان واسعة وسعادة أبدية.. فهل تختار بعدها درب الشؤم الممتع الذي يقودك إلى الجحيم؟ لا أعتقد ذلك!