هناك... على آخر الطريق المؤدي إلى الغابة، وعلى مسافة غير بعيدة من تلك الطريق، تجلس فتاة تتشابك يداها على ركبتيها وكأنها في أعماق قلبها تعرف تشابك الحياة، وترسل بنظراتها إلى الأفق. لهذه الفتاة قصة عادية كآلاف القصص المكتوبة في صفحات عالمنا الباهت، والتي لم يقرأها آلاف الناس المزروعين في كتاب حياتنا الآفلة. تبدأ قصتها من قبل ولادتها، حيث قامت قصة حب بين جارين في قرية بسيطة توّجت بالزّواج المكلّل بالفقر.
هذه الصّفحة الأولى لم تكن تعيسة وإن كانت متعبة، لكن الألم سيطبع كلمات الصفحات التالية، فقد حملت الزوجة، وكانت تساعد زوجها في أعماله في بستانهما المتواضع وفي جلب الحطب، وفي رعي الماشية وحلبها، فلم يكن هناك من يساعدها، وهذه الزوجة الضعيفة الحامل أوهنها العمل وزادها ضعفاً على ما هي عليه ولم تمر الأشهر التسعة إلا وقد استنفدت منها آخر نقطة من دلو قوتها، كما يستنفد الفتيل الزيت من القنديل.
وفي ليلة صيفية جلت سماؤها وسطع بدرها، وإذا بصرخة في زاوية الكوخ، صرخة ألم متزامنة مع صرخة أمل، واحدة منها استمرت والأخرى انطفأت لتستمر منطفئة إلى يوم القيامة. ومرت الأعوام، والأب يحكي لابنته حكاية تلك المرأة المعذبة الجميلة وترسم الطفلة في مخيلتها صورة تلك التي يدعوها "أمك.., حبيبتي". وفي هذه الليلة، ينعكس القمر لسابع مرة على البحيرة، لتعد الفتاة على أصابعها سني عمرها المماثلة.
حنان السبلاني