مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح الله: شرف المؤمن وزينة الآخرة


عن أمير المؤمنين عليه السلام: "نبِّه بالتفكُّر قلبك وجافِ عَنِ اللَّيْلِ جَنْبَكَ وَاتَّقِ اللهَ رَبَّـكَ" (1).  في هذا الكلام المبارك يقرن الإمام عليه السلام الأعمال القلبيّة والتفكّر المنبّه، وتقوى الله تعالى، بإحياء الليل ومجافاة الفراش. وهذا دليل على فضيلة إحياء الليل وعلى كمال وأهمية صلاة الليل. كما تمجّد الأحاديث هذا العمل الشريف كثيراً.  أضف إلى ذلك أنّ سيرة أئمة الهدى عليهم السلام والمشايخ العـظام والعلماء الأعلام تفيد أنَّهم كانوا مثابرين على أدائها، بل كانوا يحرصون على اليقظة في الهزيع الأخير من الليل، بصرف النّظر عن التعبد فيه.

* أحاديث في فضلها
لقد جاء في كتاب "وسائل الشيعة" الذي يعتبر من أعظم كتب الإمامية، ومدار المذهب ومرجع العلماء والفقهاء واحد وأربعون حديثاً في فضلها، كما أنَّ هناك العديد من الأحاديث في كراهية تركها. وفضلاً عن ذلك يشير إلى السابقات واللاحقات من الأحاديث في شأنها. وهناك، بالطبع، أحاديث كثيرة جداً في كتب الأدعية وغيرها. ومن أجل التيمّن والتبرّك نورد بعضاً منها:  "عـَنِ الكافِي بإسْنَادِه عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ عَمّارِ قَالَ: سَمِعْتُ أبا عَبْد اللهِ عليه السّلام يَقولُ: كانَ فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله لِعَليٍّ قوله: يا عَلِيُّ! أوصيكَ في نَفْسِكَ بِخِصالٍ فَاحْفَظْهَا، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ أَعِنْهُ... إلى أنْ قالَ: وَعَلَيْكَ بِصَلاةِ اللَّيْلِ وَعَلَيْكَ بِصَلاةِ اللَّيْلِ وَعَلَيْكَ بِصَلاةِ اللَّيْل"(2). 

يتبيّن من صدر هذا الحديث وذيله ما لصلاة الليل من أهمية.  "وعـَنِ الخِصالِ بِإسْنادِهِ عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قالَ: قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وآله لِجَبْرَئيلَ: عِظْنِي، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وأحْبِبْ ما شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفارِقُهُ، وَاعْمَلْ ما شِئْتَ فَإنَّكَ مُلاقِيهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤْمِنِ قيامُهُ بِاللَّيْلِ وَعِزَّهُ كَفُّهُ عَنْ أَعْراضِ النَّاسِ"(3).  إنّ تخصيص الموعظة المقدّسة لرسول الله صلى الله عليه وآله بهذا الأمر ليدلّ أيضاً على أهميّته البالغة. ولو كان جبرائيل الأمين يرى أهمّية أكبر لأجر آخر لكان قدّمه في هذا المقام.  وفي المجالس بإسْنادِه عَنْ ابْنِ عَبّاس قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله في حَدِيثٍ: "فَمَنْ رُزِقَ صَلاةَ اللَّيْلِ مِنْ عَبْدِ أوْ أمَةٍ قامَ للهِ مُخْلِصاً فَتَوضَّـأ وضُوءاً سابِغاً وصَلّى لله عَزّ وجلّ بِنِيَّةٍ صادِقة وقَلْبٍ سَليم [وَبَدَنٍ خاشِعٍ] وَعَيْنٍ دامِعَة جَعَلَ اللهُ تَعَالَى خَلْفَهُ سَبْعَةَ صُفُوفٍ مِنَ المَلائِكَةِ فِي كُلِّ صَفٍّ ما لا يُحْصي عَدَدَهُمْ إلاّ اللهُ أحَدُ طَرَفَيْ كُلِّ صَفٍّ بِالمَشْرِقِ وَالآخَرُ بِالمَغْرِبِ، فَإذا فَرَغَ، كَتَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِعَدَدِهِمْ دَرَجاتٍ"(4). 

وَعَنِ العِلَل بِإسْنادِه إلى أَنسٍ قالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ: الرَّكْعَتانِ في جَوْفِ اللَّيْل أحَبُّ إليّ مِنَ الدُّنْيا وَما فِيها"(5).

* شرف المؤمن
وثمة أحاديث كثيرة أشير فيها إلى أن صلاة الليل هي شرف المؤمن، وزينة الآخرة، مثلما أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا. وَعَنِ العِلَلِ بِإسْنادِه إِلى جَابِرِ بْنْ عَبْدِ اللهِ الأنْصارِيِّ قالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله يقولُ: مَا اتَّخَذَ اللهُ إبْراهيمَ خَليلاً إِلاّ لإطْعامِ الطَّعامِ وَالصَّلاةِ بِاللَّيْلِ وَالنّاسُ نِيامٌ"(6).  ولو لم تكن لصلاة الليل سوى تلك الفضيلة لأهلها لكفتها، ولكنهم ليسوا بأمثالي. إننا لا نعلم شيئاً عن عظمة رداء الخِلّة وما يعني مقام اتخاذ الله تعالى العبد حبيباً وخليلاً. فكل العقول تعجز عن تصور ذلك. فلو أنهم أكرموا الخليل بكل ما في الجنة من نعم، فإنه لا يلتفت إليها (ما دام مع خليله). وأنت أيضاً إذا كان لك محبوب عزيز، أو كان لك صديق حميم ودخل عليك، فإنك تترك كل نعمة ورفاه، وتستغني عن ذلك بجمال المحبوب ولقاء الصديق، بالرغم من أنّ هذا المثل بعيد عن المقام بُعد المشرِقَيْن.

* لم يُبيَّن ثوابها
عَنْ عَلِيٍّ بْنِ إبْرَاهيمَ بِإسْنادِهِ عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قالَ: "ما مِنْ عَمَلِ حَسَنٍ يَعْمَلَه العَبْدُ إلاّ وَلَهُ ثَوابٌ فِي القُرْآنِ إلاّ صَلاةَ اللَّيْلِ فَإنَّ الله لَمْ يُبّيِّنْ ثَوابَها لِعَظِيم خَطَرِها عِنْدَهُ فـَقال: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة: 16(7)

ترى ما قرّة العين هذه التي يدّخرها الله ويخفيها حتى لا يعلم أحد عنها شيئاً؟ وما يمكن أن تكون؟ فلو كانت من قبيل "أنهار جارية" و"قصور عالية" ومن نِعم الجنة المختلفة، لذكرها الله، مثلما بيّن ما للأعمال الأخرى وأطلع الملائكة عليها، ولكن يبدو أنها ليست من ذلك السنخ، وأنّها أعظم من أن ينوّه بها لأحد، وخصوصاً لأحد من أهل هذه الدنيا. إنه لا تُقارَن نِعم ذلك العالم بالنعم هنا، ولا تظنَّن أن الفردوس والجنان تشبه بساتين الدنيا، أو ربما أوسع وأبهى. هناك دار كرامة الله ودار ضيافته. فكل هذه الدنيا لا شيء إزاء شعرة واحدة من الحور العين في الجنة، بل ليست شيئاً إزاء خيط من خيوط الحلل الفردوسية التي أعدّت لأهل الجنة. ومع كل هذا الوصف، لم يجعلها الله ثواب من يؤدي صلاة الليل، وإنما ذكرها من باب التعظيم له. ولكن هيهات! نحن الضعفاء في الإيمان لسنا من أصحاب اليقين، وإلاّ لما كنّا نستمر في غفلتنا، ونعانق النوم حتى الصباح. لو أن يقظة الليل تكشف للإنسان حقيقة الصلاة وسرّها، لأنس الإنسان بالذكر والتفكر في الله، ولجعل الليالي مركوبه للعروج إلى قربه تعالى، ولما كان ثمّة ثواب له إلا جمال الحق الجميل وحده.

* الويل لنا!
الويل لنا نحن الغافلين الذين لا نستيقظ من النوم حتى آخر العمر. نبقى في سُكر الطبيعة غارقين، بل نزداد كل يوم سكراً وغفلة، ولا نفهم شيئاً سوى الحالة الحيوانية من مأكل ومشرب ومنكح. ومهما فعلنا، وإن كان من سنخ العبادات، فإنما نفعله في سبيل البطن والفرج.

أتحسب أن صلاة خليل الرحمن كانت مثل صلاتنا؟ الخليل لم يطلب حاجة حتى من جبرئيل، ونحن نطلب حاجاتنا من الشيطان نفسه ظناً منّا بأنه يقضي الحاجات! ولكن علينا أن لا نيأس. فلعلك بعد مدة من سهر الليالي والاستئناس بذلك والاعتياد عليه، يلبسك الله بلطفه الخفي خلعة الرحمة. كما أن عليك ألاّ تغفل عن سرّ العبادة بصورة عامة، ولا تقصر همّك على التجويد في القراءة وتصحيح الظاهر فقط. ولئن لم تـقدر أن تكون خالصاً لله تعالى، فاسعَ، على الأقل، من أجل قرَّة العين التي يخفيها الله عزَّ وجلَّ، وتذكّر الفقير، العاصي، الحيواني السيرة الذي اكتفى من كل المراتب بالحيوانية. وإذا وجدت في نفسك الرغبة، فقل بخلوص نية: "اللهمّ ارزقني التَّجافِيَ عَنْ دارِ الغُرُورِ، وَالإنابة إلى دارِ الخلودِ، وَالاسْتِعْدَادَ للموت قبل حُلُولِ الفوت"(8).


(1) الكافي، الكليني، ج 2، ص 54.
(2) الكافي، م. س، ج 8، ص 79.
(3) بحار الأنوار، المجلسي، ج 74، ص 20.
(4) الأمالي، الصدوق، ص 125.
(5) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 5، ص 276.
(6) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 16، ص 244.
(7) وسائل الشيعة، م. س، ج 8، ص 163.
(8) إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج 1، ص 402.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع