إنَّ قضيَّة المرأة، والتي ينبغي اليوم تسميتها في العالم بـ "أزمة المرأة"، تُعدّ من أكثر القضايا أهميَّة في أي حضارة ومجتمع وبلد. فقضية المرأة والأسرة، وعلى الرغم من كل ما تمّ القيام به، ما زالت قضيَّةً هامّةً وقابلةً للبحث والتَّوسعة على مستوى حركة الفكر.
* أصل المشكلة
ويرجع ذلك إلى أن أصل المشكلة مردّه نقطتان أساسان لو تم التفكير فيهما وقُدِّم طرح جديد تبعه عمل دؤوب ومثابر، عندها يمكن أن نأمل، مع مرور الزمن، أن تُحلّ مسألة أزمة المرأة اليوم في العالم. فالنقطة الأولى هي النظرة الخاطئة للمرأة، والنقطة الثانية هي إساءة فهم موقعية المرأة وشأنها في الأسرة والمجتمع.
بالنسبة للنقطة الأولى، النظرة الخاطئة، فإنها قد بدأت من الغرب وهي ليست أمراً قديماً ومتجذراً. ومن ادّعى أنّ هذه المسألة موجودة في بروتوكولات حكماء صهيون، لم يتحدث بما يخالف الواقع. أما هذا الاعوجاج الفكري وسوء الفهم فيما يتعلق بفهم واقع المرأة في المجتمع فهو لا يرجع إلى أكثر من قرنٍ أو قرنٍ ونصف في الغرب حيث تسلّل منه إلى المجتمعات الأخرى ومنها المجتمعات الإسلامية. أما بالنسبة إلى النقطة الثانية، فإنَّ أساس المشكلة هو إساءة فهم قضية الأسرة وإساءة التصرّف في السّلوكيات داخل الأسرة.
وهاتان المشكلتان، بنظرنا، هما ما أوجدا أزمة قضية المرأة، التي تُعدّ اليوم مشكلة أساساً في العالم.
* نظرة الغرب إلى المرأة
فيما يتعلق بمكانة المرأة في الحياة والمجتمع، المشكلة تكمن في الجهات التي خطّطت لاستغلال المرأة، فهم أوجدوا وبشكل تدريجي عدم توازن في المجتمع؛ فهناك طرف مُنتفِع هو الرجل وطرف مُستغَلّ وهو المرأة؛ وقُسمت البشريّة على هذا الأساس. وقد حدث هذا بصورة هادئة وتدريجية وبأساليب مختلفة مع دعايات عديدة على مرّ العقود. حصل ذلك في المجتمعات الغربية بالدرجة الأولى، وفيما بعد امتد إلى باقي المجتمعات. ولهذا إذا أرادت المرأة، وبحسب الثقافة الغربية، أن تبرز في المجتمع وتثبت شخصيتها، لا بُدّ لها من أن تظهر شيئاً من جاذبيتها. وحتى في المجالس الرسمية يجب أن تكون ثياب المرأة جذابة للرجل (الطرف المُنتفع). وبرأيي إنّ هذا أكبر ضربةٍ وإهانةٍ ودوسٍ على الحق جرى في مجال قضية المرأة. وللأسف إنّ هذا موجود اليوم في الثقافة الغربية، وقلّده الآخرون. وكل من يتحدث بخلاف ذلك يواجَه ويحارب حتى إذا نادى منادٍ بحشمة المرأة وعدم تبرّجها تستيقظ الأجهزة الإعلامية المهيمنة في العالم لتستنكر وتثير الضجيج؛ وهذا مؤشر على وجود ثقافة وسياسة ومخطط يتمّ العمل عليه لتثبيت هذه الموقعية وهذا الشأن المهين للمرأة؛ وللأسف فإنهم حقّقوا ذلك. لذلك تلاحظون أنهم راحوا يعارضون الحجاب في الغرب بصورة علنية. والعنوان الذي يذكرونه لهذه المعارضة هو قولهم إن الحجاب رمز لحركة دينية، ونحن لا نريد في مجتمعاتنا وهي مجتمعات علمانية طرح الرموز الدينية. وأعتقد أن هذه كذبة، والقضية ليست قضية دين وغير دين، إنما القضية هي أن السياسة الاستراتيجية الجذرية الأساس للغرب قائمة على استعراض المرأة وابتذالها وعلى معارضة الحجاب. حتى لو لم يكن الحجاب ناتجاً عن دوافع إيمانية ودينية فإنهم يعارضونه. هذه هي المشكلة الأساس.
* المتاجرة بالنساء
نتج عن قضية المتاجرة بالنساء تبعات مؤلمة جداً على صعيد المجتمعات البشرية؛ منها قضية تهاوي بنيان الأسرة والتقارير المروّعة التي ترد في هذا الشأن، ومنها قضيَّة الإحصاءات المبكية المؤسفة المتعلِّقة بالمتاجرة بالنساء، والتي صارت من أكثر التجارات نمواً في العالم. كما أن هناك مجموعة من الدول هي من أكثر الدول سوءاً في هذا المجال ومن أبرزها الكيان الصهيوني. كل ذلك مبنيّ على هذه النظرة الخاطئة وهذا اللاتوازن الظالم فيما يتعلق بمكانة المرأة في المجتمع. ومن التّبعات المؤلمة، ظاهرة الأطفال اللاشرعيين والتي بلغت أعلى معدّلاتها في أمريكا والتي هي نتيجة ظاهرة الحياة المشتركة التي تحصل بدون زواج؛ وهي في الحقيقة عبارة عن إبادة لمؤسسة العائلة والبيئة الحميمة والدافئة للأسرة وبركاتها وحرمان الإنسان من هذه البركات والتي هي جميعاً ناشئة من المشكلة الأولى. يجب التفكير بهذا الشأن، ويجب تعريف موقعية المرأة، والوقوف بجدّ مقابل هذا المنطق المفضوح للغرب.
نظرة الإسلام للمرأة
المسألة اللاحقة التي تُعدّ في قضية المرأة مشكلة ثانية قضية الأسرة. إن نظرة الإسلام لِمَا يختصّ بالأسرة وموقعية المرأة فيها يقدّم رؤية واضحة جداً، "فالمرأة سيدة بيتها" (1)، وهذا مروي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله. إنّ موقعية المرأة في الأسرة وردت في العديد من الروايات عن الأئمة عليهم السلام؛ "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة" (2). وفي تعبير اللغة العربية القهرمان هو العامل، فالمرأة هي وردة البيت. والخطاب للرجال: خيركم خيركم معاملة لنسائهم. هذه هي آراء الإسلام. ويوجد أحاديث من هذا القبيل إلى ما شاء الله. لكن في نفس الوقت إنّ تحقُّقَ ما يريده الإسلام في العائلة أمر لا ينتهي عند هذه الأقوال والأحاديث وإنما يحتاج إلى دعامة قانونية، وسند تنفيذي وضمانات إجرائية؛ وهذا ما يجب أن يحصل. ولكنه لم يحصل طوال الأعوام الماضية المديدة. إن العوائل المتديّنة والرجال الذين يتمتعون بأخلاق حسنة والملتزمين بالشرع كانوا يلاحظون هذه الأمور، ولكن في الحالات التي لم تتوفر فيها هذه الخصوصيات، ولم تجر ملاحظة هذه الأمور جرى ظلم للمرأة داخل العائلة. بالطبع، هذا لا يعني أن نعتقد بأنّ الغربيين متقدّمون علينا في هذا المجال؛ أبداً، لديّ الكثير من الإحصائيات التي تشير إلى أن الوضع الداخلي للعوائل الغربية من حيث الظلم الذي تتعرض له المرأة وعدم مراعاة حقوقها هو أسوأ يقيناً من الوضع في الأسر الإسلامية والإيرانية والشرقية، وليس بأفضل منه أبداً. نحن لا ننظر إلى هؤلاء وهم ليسوا نموذجاً. صحيح أنه لدينا في البيئات العائلية الكثير من النواقص ولكن الحلّ يكمن في إيجاد دعامات وضمانات قانونية وتنفيذية وهذا ما يجب أن يتحقق. وفي نظر الإسلام توجد رؤية شديدة الوضوح، إذ يجب أن تكون البيئة العائلية بالنسبة للمرأة بيئة آمنة عزيزة هادئة لكي تتمكن المرأة من النهوض بواجباتها الأساس وهي الحفاظ على العائلة وصيانتها على أفضل وجه.
نموذج المرأة الكاملة
ما أريد أن أذكره في نهاية كلمتي هو أن أساس العمل، على النساء أنفسهن القيام به، إذ يمكنهنَّ التفكير والتخطيط والمطالعة وحلُّ المعضلات على صعيد الفكر والرأي، وتقديم طرق لأجل تطبيق وتنفيذ ذلك في مقام العمل. وهذا ما يسهّل العمل كثيراً ويقرّبه بالطبع. على كل حال أملنا أن نصبح يوماً بعد يوم، بمشيئة الله، أقرب إلى الأهداف الإسلامية السامية.
(1) كنز العمال، المتقي الهندي، ج 6، ص 22.
(2) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 14، ص 120.`