السيد عباس علي الموسوي
هناك أمر شائع بين المؤمنين بالمهدي عجل الله فرجه وهو أنه يخرج ومعه السيف، يضرب به أعناق من نصب له العداوة ووقف في طريقه لتحقيق الأهداف التي يريدها. وقد تعمّق هذا المفهوم بمعناه الحرفي، وأن السيف هو الأداة التي يستعملها المهدي عجل الله فرجه في حربه وهو وسيلة الانتصار والسلاح المعتمد في معاركه. وهذا الفهم الشائع والمتداول على ألسنة المؤمنين لم يأت من فراغ، بل له رصيد من الأحاديث والروايات التي تكفي لإثبات ما عند العامة من الناس والشائع بينهم، وهذا أمر واضح.
* في روايات الأئمة عليهم السلام
ففي الحديث عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلامـ يقول: "إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلّا السيف، ما يأخذ منها إلّا السيف..." (1). وعنه عليه السلام: "إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس... فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم.." (2). وعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: "في صاحب هذا الأمر سنن من أربعة أنبياء:... وأما (سنّته) من محمد فالسيف" (3). وعن الإمام الصادق عليه السلام في معنى قوله تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ (السجدة: 21): "الأدنى القحط والجدب، والأكبر: خروج القائم المهدي بالسيف في آخر الزمان" (4). نعم، الكلام الجدير بالبحث في موضوع "سيف المهدي" هو: هل أن السيف في هذه الأحاديث مأخوذ على نحو الموضوعية أي أنه الوسيلة والعدّة القتالية التي يستعملها المهدي عجل الله فرجه في حربه مع عدوّه فيستعمل السيف سلاحاً يقتل به أعداء الله أو أنَّ السيف كان عنواناً ورمزاً للقوة وليس السيف هو المقصود بالذات وإنما استُعمل السيف مجازاً وأُريد به كل وسيلة تحقّق النصر على العدو، فقد يكون السلاح هو الطائرات والقنابل والمواد المتفجرة وغيرها من الأسلحة المتداولة في عصرنا أو غيرها مما لم يعهد في تاريخ الأمم والشعوب؟...
* السيف ليس معجزة
وقبل بيان المقصود بالسيف هنا ينبغي أن نلتفت إلى أمرٍ ينفعنا في هذا المقام وهو في خلاصته: أنَّ سيف المهدي عجل الله فرجه ليس فيه خصوصيَّة المعجزة، يعني أنه ليس معجزة يستعملها الإمام في وجه خصومه ولم يدَّعِ أحد هذا المعنى وليس في الأحاديث أثر من ذلك. وبناءً عليه، وفي ظل الأوضاع التي تعيشها الدول وما تمتلكه من أسلحة فتَّاكة (طائرات وصواريخ عابرة للقارات وقنابل ذريّة ومواد كيماوية قاتلة..) لا يصحّ القول إنّ المهدي يخرج بالسيف ويقاتل به، وخصوصاً بعد أن نفينا كونه يحمل معجزة في القضاء على الخصوم. لذا، ينبغي أن نحمل السَّيف هنا على القوة، وأنَّ المهدي عجل الله فرجه يقهر أعداءه بما يمتلك من قوة لا تقف أمامها أي قوة أخرى، وهذا يكون بما قد يمكن أن يمتلكه المهدي من قدرة فائقة فيعطّل الموجود ويوقف استعماله، وبهذا يمكنه السيطرة على العالم. وضمن الوسائل الطبيعية التي تتخذ طابع التكامل التصاعدي، عملية النمو، لأن البشرية لا تتراجع إلى الوراء في ظلّ ما وصلت إليه من تقدّم علمي، وإبداعات، واختراعات وصناعات. وهناك فرضيّة ثانية تقول: نعم يمكن للمهدي عجل الله فرجه استعمال السيف إذا نشبت حرب عالمية ثالثة وتمّ في هذه الحرب توقيف المصانع المنتجة وتدمير كل الأسلحة وعاد الإنسان إلى بدائيته من الحرب بالسلاح الأبيض من سيف ورمح، وما أشبه ذلك. وهذا قد يكون ممكناً وخصوصاً من خلال الروايات التي تتحدث عن وقوع حرب قبل قيام القائم يذهب فيها "ثلثا الناس"(5) ولا يبقى إلا الثلث، وفي بعض الروايات يذهب في هذه الحرب "تسعة أعشار الناس" (6). وهذا من الإمكان بمكان؛ لأن الأيدي التي تمتلك هذه الأسلحة المتطورة لا تمتلك العقل ولا الإنسانية ولا الإيمان الذي يمنعها من استعمال هذا السلاح، فربما في ساعة غضب أو حقد أو استعلاء لفرض سيطرتها على العالم تفجّر حرباً مدمّرة تقضي على البشرية إلا القليل منها. وهذه فرضية ممكنة في حدّ ذاتها ولها حيثياتها وآثارها وما يترتّب عليها لأن الدمار يصيب الجميع.
* رمز القوّة
أما في حال انتفاء هذه الفرضية فلا بُدّ لنا عندئذٍ من حمل السيف على القوة وأنّ المهدي يستعمل القوّة ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ (الأنفال: 60). فالسيف يكون في هذه الأحاديث عنواناً للقوة وهو استعمال مجازي والمجاز في لغة العرب أحد أهم أوجه البلاغة والفصاحة وبه تتميّز درجات هذه البضاعة التي لا يُحسن أداءها إلا أهلها ومن عاش في ربوع العرب ووقف على استعمالاتهم لها في نثرهم وشعرهم. وقد جاء القرآن والسَّنة بأجمل المجازات وأروعها حتى سكر الأدباء وأرباب العقول مما ورد في هذين المصدرين الأساسين فبحثوا عن هذه المعاني وبيّنوا أسرار استخدامها ووجوه العلاقة بين الحقيقة والمجاز وهكذا. السيف عنوان يرمز به إلى القوة والقدرة. وقد ورد ذلك في لسان العرب وتداولوه في كلامهم واستعمالاتهم ولا يزال يستعمل في هذا المعنى. فنحن اليوم نقول ليس بيننا وبين القوم إلا السيف أي ليس الفاصل بيننا وبين الآخرين إلا القوة، ويقال: "سلَّ فلان سيفه"، أي أظهر قوته وقدرته. وفي الحديث "الجنة تحت ظلال السيوف"(7) و"السيوف مقاليد الجنة والنار"(8)، فإن السيوف هنا يراد بها القوة. ومن هنا يُفهم أن سيف المهدي عجل الله فرجه الذي يشهره في وجوه الظالمين والمعتدين يراد به استعمال قوته لتحقيق أغراضه الشريفة عندما لا يعود للكلام نفع أو فائدة، إذ مهمّة المهدي عجل الله فرجه بالإضافة إلى بيان الأحكام وشرحها وتوضيحها وبأرقى الأساليب وأفضلها أن ينفّذ هذه الأحكام ويقيمها، وإذا احتاج الأمر إلى القوّة كان له الحق في استعمالها، إذ الطُّغاة والظَّالمون ومن ينصِّبون أنفسهم أرباباً على الناس لا يفهمون لغةَ الحوار ولا يستمعون إلى نداء العقل فلذا كان لا بُدّ من استعمال القوة لإزاحتهم من الطريق حتى تصل أنوار الهداية إلى القلوب العطشى إلى العدل والحق... إنَّ المهدي عجل الله فرجه يمتلك أقوى الحجج وأقوى البيّنات وعنده مفاتيح العقول والقلوب، فإذا لم يستجب الجبابرة والطغاة إلى خطابه كان عليه أن يغيّر أسلوب الدعوة ويستبدله بلغة القوة الّتي لا يفهم هؤلاء غيرها.
مضرّ كوضع السيف في موضع الندى. |
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا |
(1) كتاب الغيبة، النعماني، ص 239.
(2) روضة الواعظين، النيسابوري، ص 265.
(3) كتاب الغيبة، م. س، ص 168.
(4) معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه، الشيخ علي الكوراني، ج 5، ص 342.
(5) م. ن، ص 339.
(6) بحار الأنوار، المجلسي، ج 52، ص 244.
(7) م. ن، ج 33، ص 14.
(8) الكافي، الكليني، ج 5، ص 2.