مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مجتمع: وإنّا له لحافظون

تحقيق: ليندا زراقط



وجوههم مضيئة.. جباههم مشرقة.. وأوقاتهم مباركة.. يعيشون مع القرآن في كل لحظة ومع كل قول وعمل.. يقبلون عليه تلاوة وتدبّراً وحفظاً.. اختلفت أماكنهم وأعمارهم وظروفهم.. لكن تشابَهَ الهدف واتفقوا على بلوغه مهما كانت الصعاب ليمضوا في دروب الحياة بفكر أصيل وإيمان راسخ وعمل نافع لأنفسهم ووطنهم وأهلهم.. هم من جيل تربى على موائد القرآن.. تعشق الملائكة الجلوس معهم... نشأوا على هدي الكتاب المبين، يحفظونه في صدورهم.  في هذا التحقيق نلتقي بأهل القرآن لنعرف كيف نالوا هذا الشرف إذ صاروا أهله علّنا نستطيع أن نحذوَ حذْوهم.

* صغار في أعمارهم.. كبار في أعمالهم
على الرغم من أن الطفل محمد مهدي زراقط، الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره، لا يستطيع أن يقرأ كلمة واحدة مكتوبة، إلا أنه استطاع من خلال تلاوة أمه لآيات القرآن الكريم على مسامعه أن يحفظ أكثر من ثماني سور. وتوضح والدته أن ابنها بدأ في الحفظ من خلال ترديد الآيات على مسامعه مرتين فقط. ولا تستبعد أن يكون محمد مهدي قد تأثر بسماع القرآن قبل أن يرى نور الدنيا. وتقول: "حفظ ابني الفاتحة والمعوذتين وهو لم يتجاوز العامين، ثم اكتشفنا قدرته على الحفظ بعد أن أتم السنة الثانية إذ كنت أتلو السورة كاملة دون تجزئة فأراه يرددها كاملة حافظاً لها". وتفسر أمُّه أن سرّ هذه الموهبة يمكن ردّه إلى أنّها كانت تتلو القرآن الكريم منذ بداية حملها، وخاصة بعد الفراغ من الصلاة. وفي الشهر التاسع كانت تسمع أشرطة الكاسيت وتقربها من بطنها بنيّة إسماع الجنين. واستمرت على هذا المنوال إلى فترة الولادة. كما كانت تواظب على قراءة الأدعية والأذكار والبقاء على وضوء (طهارة) وخاصة عند الرضاع. وتذكر أنها أكلت اللبان أثناء فترة الحمل. ومما ساعد ابنها على الحفظ طلبه الدائم منها أن تتلو له القرآن قبل النوم ليغفو على ترانيم آياته العذبة.

* إقرأ وارقَ
إنّ عدد درجات الجنة بعدد آيات القرآن الكريم. يقول الإمام علي عليه السلام: "يُقال لصاحب القرآن: اقرأْ وارقَ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإِنّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها". بهذه الكلمات استهلَّت زينب عبد الله العبد حديثها (7 سنوات، حافظة لجزأين من القرآن الكريم). وأضافت: "لا أحفظ الآية إلا بعد أن أفهم معناها إذ تفسرها لي والدتي ومن ثم أكررها حتى أحفظها. والآن أحفظ في كل أسبوع صفحة والأسباب التي دفعتني لحفظ القرآن الكريم أن أُلبس والديّ تاجاً من اللؤلؤ في الجنة. لقد شجّعتني والدتي كثيراً على حفظ القرآن حيث كانت تضع لي محفزات كثيرة منها أنها كانت تعطيني مبلغاً من المال كلما حفظت صفحة من القرآن الكريم".  وتذكر لنا مريم حسن عمرو (10 سنوات، حافظة لـ20 جزءاً) قصتها مع حفظ القرآن فتقول: "بدأت بحفظ القرآن الكريم في سن الثالثة مع أهلي. وفي سن السادسة بدأت الانتظام في حلقات التحفيظ في جمعية القرآن الكريم، والحفظ بجدية عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وآله: "لا يعذب الله قلباً أسكنه القرآن"(1) وتقول: "كنت أستيقظ في الصباح الباكر لأستفيد منه في الحفظ، وأراجع في الظهيرة ما حفظته في الصباح الباكر وعند المغيب أراجع المحفوظات القديمة ثم أذهب إلى الجمعية وأثبت ما حفظته". وحفظ القرآن الكريم ليس عائقا أمام اللعب والحياة اليومية، بل إنه سبيل النجاح في الحياة والوصول إلى الجنة. وبوجهٍ يشع نوراً وفرحاً من حفظ القرآن يقول محمد خواجة (11 سنة، حافظ لـ 20 جزءاً): "بدأت حفظ قصار سور القرآن الكريم من عمر الأربع سنوات. وأنا أواظب على حفظه بعد أداء صلاة الفجر. وعندما أنهيت الجزء الأول منه انهمرت عيناي بالدموع غير مصدق ذلك".  ويقول حسين علي بلوق (12 سنة،حافظ لـ 13 جزءاً):بدأت حفظ القرآن الكريم بعمر 10 سنوات، وكان ذلك بتشجيع من مدرسة المهدي عجل الله فرجه فالقرآن نور القلوب، حيث أحفظ كل يوم صفحتين ومن أهم العوامل التي ساعدتني على الحفظ كان إصراري وتشجيع الأهل والمدرسة. أوصي كافة الأولاد بحفظ القرآن لأنه ربيع القلوب وكما قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله "أشراف أمتي حفظةُ القرآن".

* هكذا كانت رحلته مع القرآن
يقول إبراهيم حسن (23 سنة، حافظ لكامل القرآن الكريم) إن رحلته بدأت مع حفظ القرآن الكريم في أيلول 2008 وأتمّه خلال سنتين ونصف: "كنت أخصّص فترة ما بين ساعة ونصف إلى ساعتين يومياً للحفظ والمراجعة ولجمعية القرآن الكريم دور كبير في ذلك. لم يشكّل الحفظ عائقا أمام دراستي: أولاً لأنني مع تنظيم الوقت أتخطى هذه المشكلة، وثانياً أن ساعة ونصفاً يومياً يمكن لأي كان أن يخصّصها للقرآن دون أن تؤثر على سائر برامجه.  "فتنظيم الوقت توسيعه" كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام. كما أنَّ كثيراً من أوقات الشباب والناشئة تضيع على اللّهو. الحفظ ليس صعباً، فكلنا يحفظ أسماء أشخاص وأماكن وأرقام هواتف وأحداث قصص ومسلسلات... فالذاكرة تستطيع حفظ أكثر مما نتصوّر. الحفظ، طبعاً، يتطلب صبراً ومثابرة، كما ينبغي أن يكون برنامج الحفظ متواصلاً غير متقطع، فالقرآن خير أنيس. وكل من يتصوّر الغاية التي يصل إليها (وهي أن يصبح حافظاً للقرآن) فسوف ينسى الجهد والملل". ويختم قائلاً: "القرآن علّمني الكثير، وكان لي الرفيق الدائم، بحيث أردّد آياته أينما حللت".

* تجارب ونجاحات
تسجّل جمعية القرآن الكريم حضوراً ملفتاً على الساحة القرآنية، سواءً من خلال الدور الرائد الذي تضطلع به، أم بالنظر للإنجاز المشرّف الذي يحرزه طلّابها في مختلف المسابقات القرآنية. انطلاقاً من هذه الرؤية بدأ الحاج حسين حمدان (رئيس قسم الحفظ في جمعية القرآن الكريم للإرشاد والتوجيه) حديثه معنا قائلاً: إن لحفظ القرآن الكريم دوراً أساساً في تبليغ الدعوة إلى الناس، فحفظه يعتبر مرحلة أساساً لبناء وتغيير المجتمع وفي إخراج الناس من الظّلمات إلى النّور".  وعن دور الجمعيّة يقول: "لجمعيّة القرآن الكريم دور رائد في استنهاض الروح القرآنية لدى شرائح المجتمع في حفظ القرآن. فمنذ انطلاقها عام 1988 في لبنان بدأ العمل القرآني فيها من خلال إقامة الدورات القرآنية وإنشاء حلقات التحفيظ. وخرّجت الجمعيّة الآلاف من القرّاء والأساتذة والحفّاظ. وتتبع الجمعية نظاماً منهجياً لتحفيظ القرآن الكريم حيث يحفظ الطالب ثلاث صفحات في الأسبوع ثم يأتي إلى الجمعية لتسميعها وتثبيتها. وبعد سنتين أو ثلاث سنوات يصبح حافظاً لكامل القرآن الكريم مع المتابعة والإشراف. ويضيف: "تعتمد الجمعية طريقة تزامن الحفظ والمراجعة والتثبيت في آن واحد. ولا ينجح مشروع حفظ القرآن إلا عبر ثلاث نقاط أساس:

أولاً: لا بد أن يلتزم الحافظ نفسه بالبرنامج المقرر من قبل الجمعية.
ثانياً: الارتباط مع مركز للتعليم القرآني.
ثالثاً: أن يقوم الأهل بدورهم فهم يذكّرونه بحفظ الآيات، ويحثّونه على المتابعة".
ويؤكد على أهمية تعليم القرآن الكريم بالإشارة إلى رواية عن النبي محمد صلى الله عليه وآله حيث قال: ﴿مُعَلِّمُ الْقُرْآنِ وَمُتَعَلِّمُهُ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْ‏ءٍ حَتَّى الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ(2).

* فوائد حفظ القرآن الكريم وتأثيره على الجنين
يشير الحاج حمدان إلى أن الجنين يتأثر بالأصوات التي يسمعها ولذلك يجب على كل أم أن تُسمع جنينها شيئاً من القرآن، فالطفل يتلقى مذ هو جنين في بطن أمه. وهذا من علم أهل البيت عليهم السلام. فهناك برنامج مستحبات على الأم اتباعه في فترة الحمل كأن تكون على وضوء وأن تتلو القرآن وتختمه، وتحافظ على التوجه إلى القبلة أثناء التلاوة، وبعد الولادة تقوم ببعض الأمور المستحبة وتلاوة القرآن على مسامع الطفل.  أما فوائد حفظ القرآن فهي أنه ينمي الذاكرة، ويبعد الخرف، وهو من أسباب دخول الجنة وقبول شفاعة أهل البيت عليهم السلام.  عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام: "الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة"(3).

* نصائح وتوجيهات لحفظ القرآن الكريم
يضيف الحاج حسين أنه من العوامل المؤثرة في حفظ القرآن:

أوّلاً: النية الخالصة ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى*وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (النجم: 39 ـ 40). كذلك الإرادة والعزم والاندفاع والالتزام والصبر والدعاء والتوكل على الله والوضوء عند كل جلسة حفظ.
ثانياً: الحفظ بمعدل نصف صفحة يومياً مع قراءة صحيحة. ويكون ذلك من خلال تكرار الآيات كأن يبدأ بالآية الأولى ويكررها ثم يبدأ بالثانية ويكررها ثم يجمع ما بين الأولى والثانية حتى يحفظ المطلوب.
ثالثاً: ليحفظ المبتدئ والولد السور الصغيرة من الجزء الثلاثين. وممكن تقسيم السورة لقسمين بحسب عمر الحافظ.
رابعاً: الالتزام بالأمور التي تقوّي الذّاكرة، فمن اللّوازم الأساس لحفظ القرآن امتلاك حافظة قوية والاهتمام بالأغذية من قبيل:
1ـ أكل السّمك الطازج.
2ـ تناول اللّبان وشرب حليب البقر.
3ـ أكل السفرجل، وتناول 21 حبة من الزبيب يومياً (في الصباح الباكر).
4ـ الابتعاد عن الأمور التي تساهم في إضعاف الذاكرة، كالتدخين والإكثار من أكل الجبن والحوامض.
ويُنصح الشباب بحفظ القرآن الكريم ولو آية في اليوم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إِنَّ الّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ كَالْبَيْتِ الخَرَاب"(4).

* جيل قرآني بامتياز
من جهته الأستاذ بلال فرحات (معاون مدير مدرسة شاهد- مدارس المهدي عجل الله فرجه) يقول :
حفظ القرآن الكريم قضية مقدسة. وعندما نزرع هذه القضية في أذهان التلاميذ فإنهم سوف يتطورون ويصبحون جيلاً قرآنياً بامتياز. من هنا أخذت المؤسسة على عاتقها إنشاء مشروع لحفظ القرآن وأسمته "أنوار الوحي". ويضيف: تقوم المؤسسة بمشروع المساهمة في حفظ القرآن على ثلاثة أركان:

أوّلاً: من خلال حصة أسبوعية لمادة القرآن الكريم ضمن البرنامج المدرسي.
ثانياً: من خلال نادي القرآن الكريم وهو مثل أي نادٍ آخر في المدرسة (المسرح، الرياضة) حيث يشترك فيه مجموعة من التلاميذ خلال العام الدراسي يأتون مرة في الأسبوع خارج دوام المدرسة ولكن تحت إشرافها وإدارتها.
ثالثاً: أنشأت مدارس المهدي عجل الله فرجه منذ سنتين مشروع "أنوار الوحي" لحفظ القرآن الكريم كاملاً من قبل التلاميذ ولمدة يومين في الأسبوع خلال العام الدراسي وثلاثة أيام بعد انتهائه حيث يحفظ التلميذ بمعدل ثلاث صفحات أسبوعياً. ويستمر هذا البرنامج ضمن خطة موضوعة لإنهاء حفظ كامل القرآن خلال خمس أو ست سنوات.  وهذا المشروع يشترك فيه جميع فروع مدارس المهدي عجل الله فرجه. أما الفئة العمرية المستهدفة فهي تبدأ من الرابع إلى السابع أساسي بعد أن تبيّن للمدرسة أن هذه الفئة العمرية هي التي لديها القدرة على الحفظ بشكل جدّي.  ويضيف: "لا زالت الناس تتجه نحو حفظ القرآن ولم تهجره. ذلك أن عدد التلاميذ المشاركين في المسابقة المركزية لحفظ أجزاء وسور من القرآن الكريم يزداد عاماً بعد عام، وهذا دليل على إقبال الناس على حفظ كتاب الله عزّ وجلّ وإيمانهم وارتباطهم به، فهو مصدر الأنس والسعادة، وهذا ما لمسناه من تجربتنا". وأخيراً من القرآن تستمد الأمة الإسلامية عزّتها وشرفها، فهو النّور الذي لا يخبو، وغذاء الروح الذي يرقى بالإنسان إلى أعلى المنازل في الآخرة.


(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 89، ص 184.
(2) مستدرك‏ الوسائل، الميرزا النوري، ج4، ص235.
(3) أصول الكافي، الكليني، ج2 ص 603.
(4) كنز العمال، المتقي الهندي، ج1، ص553.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع