إعداد: نانسي عمر
أصبح الضّجيج السّمة الرئيسة التي تتّصف بها المدن, وخاصّة الصناعية منها. تلك الضوضاء التي تنبعث من كل حدب وصوب, مسببة أضراراً باتت تعتبر أكثر أذية من أشكال التلوث الأخرى, حيث صار هذا الخليط المزعج من الأصوات المتنوعة وهو ما يعرف بالتلوث السمعي يحتل مرتبة متقدمة بين أشكال التلوث الأخرى من حيث الأضرار على صحة البشر.
* ما هي الضوضاء؟
تعرف الضوضاء بالأصوات التي ينفر منها الإنسان ولا يرتاح لسماعها, وهي غالباً أصوات حادة غير منتظمة ولا معنى لها، فضلاً عن أنها ذات تردّد عالٍ وتؤدي إلى اهتزاز طبلة الأذن بشدة, وهي بعكس الموسيقى الهادئة التي ترتاح لها الأذن وتهدأ بها الأنفس. وتقاس الضوضاء بطرق فيزيائية يُعبّر عنها بالديسيبل أو الفون، فمثلاً يُقدّر كلام الفرد العادي من 50 إلى 60 ديسيبل، والضوضاء الناجمة عن بوق تساوي 100 ديسيبل.
* كيف تؤثر الضوضاء على الإنسان؟
تناولت دراسات متعددة التأثيرات الناتجة عن الضوضاء، واختلفت ما بين التأثير من الناحية الصحية والفسيولوجية, وبين التأثير من الناحية النفسية والسيكولوجية والفسيولوجية.
من الناحية الصحية
تحدثت الأبحاث والدراسات عن تأثيرات جسدية تنتج عن التلوث السمعي, ترتبط بردود الأفعال والفسيولوجية والانفعالات الصحيّة وبقدرة الفرد على إنجاز مهامه. يعتبر الدكتور حسين علي بيضون (أخصائي في أمراض الأذن) أنّ السمع يعدّ من أهم الحواسّ في جسم الإنسان، فعن طريق السّمع يستطيع الإنسان التعرّف إلى ما يدور حوله ويكتسب به الخبرات والمعلومات ويتلقّى به العلم. والأذن بحسب الدكتور بيضون مهيّأة لأصوات وذبذبات محددة, ولذلك تؤدي الأصوات العالية والمزعجة إلى تضرّر طبلة الأذن الموجودة في الأذن الوسطى, ما يؤدي بدوره إلى تلف الأعصاب السمعية للأذن الداخلية, المسؤولة عن إيصال الصوت إلى الدماغ. وهذا بحسب قوة الصوت أو مدى التعرّض إليه، فأصوات الانفجارات القوية والمفاجئة مثلاً قد تتسبب في ثقب طبلة الأذن. كما يوضح الدكتور بيضون تأثير الأصوات القوية على السائل الموجود في الأذن الداخلية, وهو المسؤول عن تحويل الصوت من حركة ميكانيكية إلى حركة الأعصاب, فتؤدي الضجة القوية إلى خلل في عمله, ما يؤثر سلباً على حاسة السمع. ويؤثر الضّجيج أيضاً على الناحية الفسيولوجية للإنسان, حيث يؤدي إلى زيادة إفراز الغدّة النخامية, وزيادة حسّاسيّة الجسم لهرمون الأدرينالين, وطنين الأذن, وصعوبة في التنفس, والإحساس بالإجهاد, والصداع, والتوتر والعصبية.
• من الناحية النفسية
أظهرت الدّراسات أيضاً تأثيرات خطيرة للتلوث الضوضائي على الحالة النفسية للإنسان, تبدأ بالتوتر العصبي والإصابة بالصداع وآلام الرأس, مروراً بفقدان الشهية والتشتت وعدم التركيز في الأعمال الذهنية, وصولاً إلى عدم القدرة على التعامل مع الآخرين والغياب عن العمل حتّى الانقطاع عنه. وقد أكدت الأبحاث الطبية النفسية أن نسبة كبيرة من الأمراض العصبية والنفسية سببها الرئيس هو الضوضاء, وعلى رأسها الانهيار العصبي والأزمات النفسية والانزعاج المستمر والتوتّر والحذر الشديد دون معرفة السبب. وتوضح بعض الدراسات أن للضوضاء آثاراً بالغة على النمو الفكري للأطفال, وأن الأطفال الحساسين في حالة تعرضهم لضوضاء أعلى من 35 40 ديسيبل يعانون من الخوف والذعر ويصبحون شديدي الحذر من كل ما يحيط بهم.
* هل يؤثر التلوث السمعي على أداء الإنسان؟
تشير بعض الدّراسات إلى أنّ التعرض للضوضاء لمدة ثانية واحدة يقلل من التركيز لمدة 30 ثانية, ما يعني أن التعرض المستمر للضوضاء يؤثر في القدرة على التركيز والكفاءة في الأداء، ويؤدي إلى البطء في ردود الأفعال عند الخطر. وتبيّن بحسب الدراسات أن الضوضاء تؤدي إلى ردود أفعال عنيفة وسلوك عدواني لدى الأشخاص تبعاً لارتفاع نسبة الضوضاء وشدّتها والقرب من مصادرها وكذلك فجائيتها. وللضوضاء تأثير سلبي على إنتاجية الإنسان، حيث إنها من الأسباب الرئيسة لخفض الدافع للأداء والتركيز في العمل، وهذا بالتالي يؤثر على العامل القريب من مصادر الضوضاء فيشعر بالتعب والإرهاق السمعي والجسدي. وقد لوحظ فرق كبير في مستوى الإنتاج بين العمل الذي يتم في جو هادئ مقابل العمل الذي يتم في جو صاخب. وثبت أيضاً أن الضوضاء تسبب نحو 50 % من الأخطاء في الدراسات الميكانيكية و20 % من الحوادث المهنية ونحو 20 % من أيام العمل الضائعة.
* كيف نَحِدُّ من الضوضاء؟
يقترح الدكتور حسين بيضون باقة من الخطوات المتنوعة التي يجب اتباعها للحدّ من آثار الضّوضاء على صحة الإنسان, وخاصة على الأذن, ومنها:
تجنب الاستماع إلى الموسيقى الصاخبة والأصوات العالية, والابتعاد قدر الإمكان عن مصادرها.
تجنب استخدام سماعات الأذن أو الاقتراب من مكبرات الصوت.
خفض أصوات الأدوات الكهربائية كالتلفزيون والراديو...
بناء المدارس والمستشفيات بعيداً عن مصادر الضوضاء, وخاصة الطرق العامة المزدحمة بالسيارات.
تشييد المطارات والمصانع ومحطات توليد الطاقة بعيداً عن المناطق الآهلة بالسكان وإقامة عوازل صوت حولها.
تخطيط المدن مع الاحتفاظ بالغطاء الأخضر، لأن الأشجار تمتص نسبة كبيرة من الأصوات.
استخدام سدادات قطنيّة للعاملين في المصانع أو المستخدمين لآلات تُصدر أصواتاً عالية.
إقامة حملات توعية عبر وسائل الإعلام المختلفة عن الضوضاء وأخطارها على الصحة العامة وخاصة على صحة الأطفال.
الحدّ من ضوضاء الطريق عبر:
أ منع استعمال أبواق السيارات ومراقبة محركاتها.
ب منع سير الدراجات النارية التي لا تحوي كاتماً للصوت.
ج منع استعمال مكبرات الصوت وأجهزة التسجيل في الشوارع والمحلات.
د جعل الشوارع متّسعة لتخفيف الازدحام.
هـ ضرورة إقامة حزام شجري أخضر حول المباني التي تحتاج للهدوء.
* كلمة أخيرة..
يمكن لتلك الخطوات أن تساهم بشكل كبير في تخفيض الضوضاء التي تزعجنا ليل نهار, ولكن الخطوة الأهم تكمن في مراعاة الدولة لهذا الشأن وإعطائه الاهتمام اللازم, عبر إقرار قوانين وتشريعات تضمن للمواطن حقه في الراحة, وتحدّ من الأصوات المزعجة التي تعكّر صفاء حياته اليومية, التي يحق له أن يمضيها بهدوء وسلام.