نهى عبد الله
كانت الكنيسة الملجأ الأخير لأهالي القرية، عندما اجتاحها أصحاب الظلام... أعدموا... قطعوا الرؤوس... شنقوا الأطفال... هتكوا الستور... نهبوا الأموال وأحرقوا الأخضر، حطموا باب الكنيسة... افترسوا بغيظهم الأسود أمان الأهالي، وصبّوا حنقهم على المقدّسات والجدران والأعمدة... دثّروها بعباءة ظلامهم وحلّقوا بالموت فوق رؤوسهم... حتى خرجوا...
تحت الدمار والحطام... أشلاءُ أرواحٍ لأجسادِ جرحى ومفزوعين... جمّدهم الرعب في مخابئهم وكتم صراخهم... ينازعون الموت خوفاً... تسمّرت أعينهم على الطريق البعيد.. عابرة عتبة الباب المحطّمة... خوفاً من شكلٍ آخرَ للظلام قد يتسلل إليهم، لينقضّ على ما تبقى من حياتهم.
ثلاثة أيام وهم يتبادلون لغة الخوف... وعقولهم مشدوهة... تصرخ أرواحهم بلا صوت: أين رحمة الله؟ يا رحمة الله...
بصيص نورٍ بعيد... دخل مع أقدام وطأت الكنيسة بهدوءِ وجلال... همهماتٌ سريعة: "انفضوا الخراب... وابحثوا عن الأحياء"... لملَموا الحطام سريعاً، وضعوا التماثيل في أماكنها... أصلحوا الأبواب... وأصواتهم الحانية تنادي: "قوموا يا أهلنا... لا بأس عليكم الآن".
خاف الفزعون... رؤوسهم الحذرة كادت تظهر... "من أنتم؟" لكن الأطفال لم ينتظروا الجواب... هرعوا إلى رجال الله ليذرفوا دموعهم بحرية، وليرتفع صوت بكائهم كما يشاؤون... تفرّسوا الرحمة في وجوههم... بثّوا شكايتهم وحكوا عن جراحهم...
تلك الرحمة التي كانوا يناشدون... فكانت رحمة الله الواسعة وأمنه... كانت على أيدي رجال الله..