قيل لي ذات يوم: "مَنْ ليس له مرب يرشده فليهم على وجهه في البوادي القافرات".
فرحلت هائماً، وعرفت كل بادية ودخلت كل زقاق أكتب على أوله كلمات البحث والسؤال رغم أنني أدرك أنه مرّ من هنا وباركت خطواته تلك الدروب.
ما زلت أطلبه في سفر لا يعرف مللاً، في أعماقي صرخةُ سجينٍ أبدية، وفي روحي شوق يغسله بكاء كبكاء الأطفال.
حنانٌ إلى عطف أم
أم اضطراب إلى مقر سكن
أم هرعٌ إلى كسر بؤس
بل أكثر
فهو شوق يجعل أشواق العالمين أكوام قش، فينفث فيها ناره فتصير ركاماً، وتبقى جذوته لا يطفئها إلا اللقاء.
عرفته؛ فدلّني عليه
وكنت أسمع نداءاته الخفية
وأتلقى رسائله في قبض الروح
وكانت روحي في أيام النفحات تتعرّض لروحه العظمى فترى كل وجود العالم أسير شبكة الشهود حتى عرفت سر الاتصال وأدركت حق القيام.
اتصال روح الأرواح في وسائط الفيض إلى عز اللقاء وقيام العالم بسمواته وأراضيه.
فلولاه لساخت بساكنها
أولياء في سفرهم عبر أنواره يعبرون، فإذا أنكروه رجعوا إلى أسفل سافلين، وتلبّسوا بجرم إبليس يوم آدم والعوامل تحبو في جوهر الحركة نحو كلمة "لولاك".. ولولا كلمة "أتينا طائعين" لضجّت وفارت براكين النقمة وسيول العذاب.
هو النور الذي يلخّص الآيات بنقطة...
ويفتح "باب المدينة" على عالم الإطلاق فيعبر من كل باب بألف باب.
ما زلت أبحث في سفر لا يشبه سفر أصحاب الدعاء الذي يعطرون أجواء العالم بكلمات العتاب والنداء.
سفر أرسم تفاصيل أزقته بقوّة التمهيد، ونداء أكتب كلمات "أين" فيه على قلوب وعقول.
ظننت أنّني عرفت كيف أبحث.
فهل ترشدني نداءاتك الخفية إلى روح اللقاء.