الشيخ نعيم قاسم
عن علي بن هلال عن أبيه, قال: "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في الحالة التي قُبِضَ فيها, فإذا فاطمة عند رأسه, فبكت حتى ارتفع صوتها, فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله إليها رأسه, وقال: حبيبتي فاطمة, ما الذي يبكيك؟ فقالت: أخشى الضّيعة من بعدك. فقال: يا حبيبتي, أما علمتِ أنَّ الله عزَّ وجل اطَّلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار منها أباك, فبعثه برسالته، ثم اطَّلع إطلاعة فاختار منها بعلك, وأوحى إليَّ أن أُنكحك إياه يا فاطمة؟ ونحن أهلُ بيتٍ قد أعطانا الله عزَّ وجل سبع خصال, لم يُعطِ أحداً قبلنا ولا يُعطي أحداً بعدنا: أنا خاتمُ النبيين وأكرمُ النبيين على الله عزَّ وجل وأحبُّ المخلوقين إلى الله عزَّ وجل وأنا أبوك, ووصيّي خيرُ الأوصياء وأحبُّهم إلى الله عزَّ وجل وهو بعلُك, وشهيدُنا خيرُ الشهداء وأحبُّهم إلى الله عزَّ وجل وهو حمزة بن عبد المطلب عمُّ أبيك وعمُّ بعلك, ومنَّا من له جناحان يطيرُ في الجنَّة مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك, ومنَّا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما والذي بعثني بالحق خيرٌ منهما, يا فاطمة والذي بعثني بالحق إنَّ منهما مهديَّ هذه الأمة.
إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً تظاهرت الفتن, وانقطعت السبل, وأغار بعضهم على بعض, فلا كبيرٌ يرحم صغيراً, ولا صغيرٌ يوقِّر كبيراً, فيبعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غُلفاً, يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمتُ به في أوَّل الزمان, ويملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً. يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي فإنَّ الله عزَّ وجل أرحم بك وأرأف عليك مني, وذلك لمكانك مني وموقعك من قلبي, قد زوَّجك الله زوجك وهو أعظمهم حسباً وأكرمهم منصباً وأرحمهم بالرّعية وأعدلهم بالسّوية وأبصرهم بالقضية, وقد سألتُ ربي عزَّ وجلّ أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي. قال علي عليه السلام: فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله لم تبق فاطمة بعده إلاَّ خمسة وسبعين يوماً حتى ألحقها الله به"(1).
* بقاء نهج الرسالة المحمدية
أرسل الله تعالى محمداً رحمة للعالمين، ولولاه لم يكن لهذه الدنيا معنىً، ولم يكن بالإمكان الاهتداء بالكمال الإنساني العظيم الذي مَثَّله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام. ومن الطبيعي أن تسأل سيدة نساء العالمين الزهراء عليها السلام عما سيؤول إليه واقع الأمة من بعده، فهي الحريصة على بقاء نهج الرسالة الكاملة السمحاء، وهي التي تشفق على البشرية وترغب في توفير سبل الهداية لها. وقد سلَّط جواب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله الضوء على الخصال السبعة التي أعطاها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله والتي صاحبت وجوده الشريف, إلاَّ خصلة واحدة مستمرة ومستقرة تظلل البشرية بحضورها المباشر بعد ولادة الإمام الحادي عشر عليه السلام، والتي تتمثل بالإمام الثاني عشر المهدي عجل الله فرجه، الحاضر في حياة البشرية منذ إمامته عام 260هـ في غيبتيه الصغرى والكبرى. قلبُ فاطمة عليها السلام مفعمٌ بالحب لنجاة البشرية، وهي قدوة لنا بكمالها ومواقفها، وعلى قلوبنا أن ترقَّ لحال الأمة كي نعمل لنجاتها بربطها بمسيرة الإسلام المحمدي الأصيل، وانتظار صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
* أنقِذ نفسك وأنقِذ أمَّتك
أنقِذ نفسك بموالاة النبي صلى الله عليه وآله وآله عليهم السلام، والعمل بهديهم، والاستقامة على نهج الإسلام. ولا تجعل النعم صارفةً لك عن طاعة الله تعالى، ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (العنكبوت: 64)، إذ عليك أن تشكر الله الذي أعطاك، فبالشكر تدوم النعم وتزداد، ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (إبراهيم: 7).
كما لا تتوقف عند البلاء مهما كثُر أو طال، فإنَّه اختبار عليك اجتيازه، فقد أخبرتنا الروايات المتواترة عن فتن آخر الزمان الخاصة والعامة، وعن الظلم والقهر والفساد والانحراف، وعن الطواغيت وانقطاع الرحمة من قلوب السلاطين، وعن الكثير الكثير... وهذا ما يستدعي إعداد العدة للمواجهة والصبر لاجتياز الامتحان. وأنقِذ أُمَّتك، وكن حريصاً على جذب عائلتك وأقربائك وجيرانك وأهل بلدتك ومن تتواصل معهم إلى رسالة الإسلام العظيمة، وقيادة الولي الأعظم الإمام المهدي عجل الله فرجه. تحدث عن الإمام، وعرِّفه لهم، وعرِّفهم إلى جماعته، بدءاً من الولي الفقيه الإمام الخامنئي "دام ظله" ومن قبله الإمام الخميني قدس سره وصولاً إلى المجاهدين المقاومين الشرفاء من أبناء مسيرة حزب الله، الذين قدَّموا لله تعالى أغلى ما عندهم، وذابوا في الإسلام اقتداءً بمحمد صلى الله عليه وآله وآل بيته عليهم السلام. لا تتوقف عن دعوة الناس بسلوكك قبل قولك، وبقدوتك قبل حديثك، وإنما تقوم بذلك من موقع المسؤولية والأمر الإلهي، ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل: 125)، وفي الحديث الشريف: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" (2).
ورغِّبهم بخيرات وعظمة الظهور وإقامة دولة العدل الكبرى التي تعمُّ المعمورة بأسرها، واجعل قلوبهم مشدودةً إلى بقية الله المهدي عجل الله فرجه، فإنَّ كثرة المحبين والمتعلقين به، وكثرة اللَّهج باسمه، وكثرة الدعاء لظهوره، كلّها من عوامل نمو وقوة الثلَّة المؤمنة التي تساهم في الإسراع بالظهور، والتي ينتظرها الإمام المهدي عجل الله فرجه ليقودها باسم الله تعالى وفي سبيله إلى العدل والخير وسيادة الحكم الإلهي.
* النعمة الكبرى
يتمثَّلُ الضلال والخسران بالابتعاد عن دين الله تعالى، وتتحقَّق النعمة الكبرى بالهداية إلى الولاية والالتزام بدين الإسلام، وعندها لو اجتمع بلاء الدنيا على المؤمنين، وانتشر الفساد على سطح المعمورة، وعمَّ الظلم والانحراف فإنَّ القلوب المتعلقة بربها، والمطبِّقة لأحكام الدين، والموالية للنبي صلى الله عليه وآله وآل البيت عليهم السلام، والمنتظرة لقيام الحجة الغالب بإذن الله تعالى، تزداد إيماناً بثباتها وصمودها وتحمُّلها، فهي عامرةٌ بالعلاقة مع الله تعالى، ولا تخشى في الله لومة لائم، ولا تحيد عن الاستقامة الموصلة إلى رضوان الله تعالى. إنَّه وعد الله الأكيد بالظهور، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوَّل الله عزَّ وجل ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من ولدي, اسمه اسمي. فقام سلمان رضي الله عنه فقال: يا رسول الله, من أي وُلدك هو؟ قال: من ولدي هذا، وضرب بيده على الحسين عليه السلام " (3).
(1) كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي, ج 3, ص: 267 – 268.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 72، ص 38.
(3) كشف الغمة، م.س، ج 3، ص 268.