إيفا علويّة ناصر الدين
في بلد واحد، بل في محافظة واحدة، بل في قضاء واحد، بل في مدينة واحدة، يقع هذان البيتان:
بيت واسع رحب الأرجاء، تترعرع بين أضلاعه روعة الهندسة والتصميم، وفخامة الأثاث والمقتنيات. تسكن فيه أسرة مؤلفة من أب وأم وأولاد، يعيشون في بحبوحة من المال، وسعة من الرزق، تمدّهم بكل ما اشتهت أنفسهم ورغبت، وتوفّر لهم جميع مستلزمات حياة الرفاهية والترف والعيش الرغيد. وبيت متواضع، يرتسم في ثناياه رونق البساطة، مع ما تيسَّر من لمسات أنيقة في الأثاث والمقتنيات. تسكن فيه عائلة مؤلفة من أب وأم وأولاد، يعيشون في بحبوحة من الكفاف ووفرة من ضيق الحال الذي يحرمهم من كثير مما تشتهي أنفسهم، ويمنعهم من بعض ضروريات حياة الفقر والكدح والكفاح. لحظات كثيرة تجمع في طياتها ربِّي هذين البيتين في جلسة يتقاسمان فيها همّاً واحداً مشتركاً: المال. جلسة عن بعد ومن دون أن يلتقيا، يجلس طرفاها كلٌّ على حدة في ركن من أركان بيته. ذلك يجلس متنهداً، يراجع دفاتر حساباته المتضخمة، ويعدّ أرصدته الحالية والمتوقعة. وذاك يجلس متأوهاً، يراجع دفاتر ديونه المتراكمة، ويعدّ احتياجاته الحالية غير المتوقعة. لحظةٌ أهم يمكن أن تجمع بينهما إذا التقيا، يتقاسمان فيها هماً مشتركاً أيضاً: السعادة. فسعادة الغني في آخرته في مساعدة الفقير في أمر دنياه، وسعادة الفقير في دنياه مساعدة الغني في أمر آخرته.
وتبقى المبادرة في يد الغني، لأنّه هو وحده من يملك مفتاح ذلك اللقاء.