مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله: نماذج من السفارات الكاذبة

الشَّيْخ معين دقيق

 



كان الحديث في القسم الأوّل(1) عن خصائص السفارة الحقّة، وذكرنا أهمّ خصيصة تتحلّى بها، ألا وهي ارتباطها الإثباتي بالناحية المقدّسة عن طريق صحيح ومعتبر. وتناولت في المقال السابق طرقاً ثلاثة معتبرة تثبت بها السفارة الحقة، وهي: الشهرة والشياع مع عدم التكذيب، والنّصّ الصحيح من قبل المعصوم عليه السلام، وظهور الكرامات والأُمور الخارقة للعادة من قبل مدّعي السفارة. وقد ذكرتُ لكُلّ واحدٍ من هذه الطُّرق مواصفات وشرائط خاصّة، يستطيع الناس من خلالها التمييز بين الطريق الصحيح وغيره.

* أهمية البحث عن السفارات الكاذبة
قديماً قيل: إِنَّ الأمور تُعرف بأضدادها؛ وليس ذلك إِلَّا لأنّ الشيئين المتنافرين والمتضادين في العادة تتضارب صفاتهما وخصائصهما، فيستطيع المراقب من خلال مطالعته لصفات وخصائص أحدهما أنْ ينفي الآخر، وهكذا من الجهة المقابلة. ومن هذا المنطلق يكون استرجاع التاريخ ودراسة النماذج المختلفة لمن ادّعى السفارة كذباً وزوراً، وتحليل نفسياتهم، وبيان خصائصهم مفيداً لنا للتعامل مع مَنْ يدّعي السفارة أو شيئاً من شؤونها في عصرنا الحاضر. وسوف أدرس في هذا المقال أربعة نماذج، من خلالها نستطيع أن نُسلّط الضوء على خصائص مشتركة بينها:

* الحسن، أبو محمّد الشريعي
قال الشَّيْخ الطوسي "رحمه الله" في كتاب الغيبة: "أخبرنا جماعة، عن أبي محمد التلعكبري، عن أبي علي محمد بن همام، قال: كان الشريعي يكنى بأبي محمد، قال هارون: وأظن اسمه كان الحسن، وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد ثم الحسن بن علي بعده وهو أوّل من ادّعى مقاماً لم يجعله الله فيه، ولم يكن أهلاً له، وكذب على الله وعلى حججه، ونسب إليهم ما لا يليق بهم، وما هم منه براء، فلعنته الشيعة وتبرأت منه، وخرج توقيع الإمام بلعنه والبراءة منه. قال هارون: ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد" (2).

* محمد بن نصير النُّميري
في الكتاب المتقدّم الذكر قال: "قال ابن نوح: أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد قال: كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي، فلما توفي أبو محمد ادّعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان أنّه صاحب إمام الزّمان عجل الله فرجه وادّعى البابية، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعن أبي جعفر محمد بن عثمان له، وتبريه منه، واحتجابه عنه، وادّعى ذلك الأمر بعد الشريعي" (3). وفيه أيضاً: "قال أبو طالب الأنباري: لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر رضي الله عنه وتبرأ منه، فبلغه ذلك، فقصد أبا جعفر رضي الله عنه ليعطف بقلبه عليه أو يعتذر إليه، فلم يأذن له وحجبه وردّه خائباً" (4). وفيه أيضاً: "وقال سعد بن عبد الله: كان محمد بن نصير النميري يدّعي أنّه رسول نبي، وأنّ علي بن محمد أرسله، وكان يقول بالتناسخ ويغلو في أبي الحسن، ويقول فيه بالربوبية، ويقول بالإباحة للمحارم..." (5).

* أحمد بن هلال الكرخي
في كتاب الغيبة: "قال أبو علي بن همام: كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمد، فاجتمعت الشيعة على وكالة محمد بن عثمان رضي الله عنه بنصّ الحسن في حياته، ولما مضى الحسن قالت الشيعة الجماعة له: ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة؟ فقال لهم: لم أسمعه ينصّ عليه بالوكالة، وليس أنكر أباه يعني عثمان بن سعيد فأمّا أن أقطع أنَّ أبا جعفر وكيل صاحب الزمان عجل الله فرجه؛ فلا أجسر عليه. فقالوا: قد سمعه غيرك، فقال: أنتم وما سمعتم، ووقف على أبي جعفر، فلعنوه وتبرؤوا منه. ثم ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه في جملةِ من لُعن" (6).

* أبو دلف الكاتب
ورد في كتاب الغيبة: "أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، عن أبي الحسن علي بن بلال المهلبي قال: سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه يقول: أمّا أبو دلف الكاتب لا حاطه الله فكنّا نعرفه ملحداً ثم أظهر الغلو، ثم جنّ وسلسل، ثمّ صار مفوضاً وما عرفناه قط إذا حضر في مشهد إلا استخف به، ولا عرفته الشيعة إلا مدّة يسيرة، والجماعة تتبرأ منه وممن يومي إليه وينمس به" (7).

* الخصائص المشتركة لأدعياء السفارة كذباً
بالتأمُّل في النُّصوص المتقدّمة حول النماذج الأربعة، نستنتج صنفين من الخصائص المشتركة، أحدهما يرجع إلى الأدعياء أنفسهم، والآخر يرجع إلى معاملة الآخرين معهم.

- الصّنف الأول
أمّا الصّنف الأوّل، فيشتمل على الخصائص التالية:
* عدم الثبات على موقف واحد

وهذه خصيصة نفسانية، تنشأ عن عُقدٍ أفرزتها تربية فاسدة، أو معاملة غير مناسبة، وما شابه ذلك. وقد لاحظنا هذه الخصيصة في الشريعي؛ حيث كان في بداية أمره متّبعاً للحقّ، ثُمّ ادّعى مقام السفارة، وكان آخر أمره أنْ ظهر منه الكفر والإلحاد. وقد برز هذا الأمر بوضوح في النُّميري أيضاً؛ حيث تغيّر من حالٍ إِلَى حالٍ بطريقةٍ فاضحةٍ جداً. وتغيّرت حال أبي دلف من الإلحاد إِلَى الغلوّ، مروراً بالجنون، وانتهاءً بالتفويض.

* دناءة النفس
وهذه الخصيصة بارزة في شخصية النُّميري، كما يدلُّ على ذلك استعطافه لأبي جعفر رضي الله عنه. كما أنَّ اشتراكهم في اتّخاذ الكذب وسيلةً للوصول إلى مقاصدهم من أبرز معالم دنوّ نفسهم وحقارتها.

* الجهل وعدم المعرفة
وهذه الصّفة وإنْ ذكرتها كآخر صفةٍ من صفاتهم، إِلَّا أنَّها أساس كلّ الصفات الرذيلة فيهم، ففي الخبر عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الجهل أصل كُلّ شرٍّ" (8) وعنه عليه السلام أيضاً: "الجهل أدوأ الدّاء" (9)، و"الجهل فساد كُلّ أمر" (10).

- الصّنف الثاني
وأمّا الصنف الثاني الراجع إلى معاملة الآخرين معهم، فيظهر من خلال نقطتين:


الأُولى: الاجتماع على لعنهم والبراءة منهم
وهذا يدلُّ على أنَّ ما يدّعيه مثل هؤلاء الأشخاص، وما يقومون به، مخالفٌ للديدن العام الذِي عليه الطائفة خواصاً وعواماً. وما أشدّ الشبه بين أدعياء اليوم الَّذِين تغذيهم أروقة المخابرات العالمية وتصنعهم؛ لإيجاد التشويش في عقائد الناس، وجعلهم يبتعدون شيئاً فشيئاً عن الدين والمتدينين وأدعياء الأمس، فاحذروا إخوتي منهم كلّ الحذر، واجتمعوا على لعنهم، والبراءة منهم، والتشهير بهم؛ لكي يعرفهم الناس فيبتعدوا عن الانخداع بترّهاتهم.

الثانية: عدم المجاملة معهم
لأنّهم من أخطر ما يكون على الأُمّة، فإنْ جاملناهم خصوصاً إنْ كانت المجاملة صادرة عن النُّخب في المجمتع الإسلامي فسوف ينخدع بهم ضعاف العقول، فيتجمهرون حولهم، ويصبح لهم أتباع، فتقوى شوكتهم، ويصعب القضاء عليهم. وعلى النُّخب أنْ يتأسَّوا بأبي جعفر محمد بن عثمان، في احتجابه عن النُّميري، وردّه خائباً، وعدم الإذن له بالدخول عليه. وليس ذلك إِلَّا لأنّ العامّة تتأثّر بالنُّخب، فإنْ جاملت أمثال هؤلاء، فإنّ العامّة سوف تظنُّ من خلال ذلك أنَّهم مرضيّون، فيتبعوهم ويسيروا خلفهم. ويذكرني هذا الأمر بما قاله الإمام السجاد عليه السلام للعالم الزهري الذي كان يتردّد على بني أُمية: "ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم" (11). والحمد لله أوّلاً وآخراً...


(1) ورد الحديث عنه في العدد (223).
(2) الغيبة، الشَّيْخ الطوسي، ص 397.
(3) م. ن، ص 398.
(4) م. ن.
(5) م. ن.
(6) م. ن، ص 399.
(7) م. ن، ص 412.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع