مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

آثار الانتظار (3): الارتبــــاط بالإمام عجل الله تعالى فرجه(*)

آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ 

 


لا بدّ في التشرّف المباشر أو غير المباشر بالمحضر النوريّ لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف من التوفّر على لياقة وأهليّة خاصّة؛ ولذا لا يمكن إلّا للأوحديّ من المؤمنين الموحّدين أن ينال التشرّف بمحضره المطهّر.

وليعلم، أنّ كلّ خرقٍ للعادة أو كرامةٍ حادثةٍ بواسطة شخصٍ مجهولٍ إنّما يتحقّق على إثر حصول فيضٍ من الناحية المقدّسة، وكلّ فيضٍ يصل إلى الآخرين إنّما هو نابع من فيض إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، إلّا أنّ ذلك لا يعني بالضرورة أنّ ذلك المجهول هو الوجود المبارك لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، بل يمكن أن يكون من ضمن تلامذته الصالحين الذين تلقّوا الأمر لحلّ عقدة الآخرين، فيكونون واسطةً في وصول فيض الإمام إليهم.

•لا لطلب خاصّ
وعليه، فالقيام بالمستحبّات والتزوّد بالأعمال الصالحة نيابةً عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وإهداء ثوابها إلى الأرواح الطيّبة للعترة الطاهرة عليها السلام، من أفضل السبل لتعزيز الارتباط مع وجوده المبارك، كما أنّ أرقى سبيل لهذه النيابة أن لا يطلب من الإمام مقابل عمله أمراً لنفسه؛ لأنّ ذلك ينقص من قدر عمله. والوجه فيه، أنّ طلبنا بقدر إدراكنا، كما أنّ إدراكنا في أكثر الأحيان محجوبٌ بحجاب أمنيّاتنا، ما يكون معه مطلوبنا المترقّب بذلك محدوداً. وعليه، فالأرجح من باب الأدب أن لا نطلب من ذلك الوجود المبارك أمراً خاصّاً؛ نظراً إلى أنّ ما تقتضيه سجيّة الكريم في العطاء أن يكون عطاؤه مستمرّاً وافراً.

ولا يعني ذلك أنّ الإنسان إن كانت له مشكلة خاصّة، فإنّه يلزم عليه أن لا يعرض مسألته على إمامه وبيان حاجته وتحديد طلبه بما ألمّ به وأهمّه، بل المقصود من ذلك أن لا يقترن القيام بأعمال صالحةٍ نيابةً عن الإمام بطلبٍ أو اقتراح، بل يترك العطاء لهم وفق ما يرونه صالحاً، لا أن يحدّده بأُفقه المحدود. ثمّ إنّهم وإن أعطوا فرداً ما عطاءً، إلّا أن ظهور عطائهم وفضله يعمّان المجتمع، كما حصل مع زكريّا بن آدم القمّيّ تلميذ الإمام الرضا عليه السلام حين استجازه للخروج من قم، فأمره الإمام أن يبقى في قم؛ لأنّ الله تعالى يدرأ ببركة بقائه هناك العذاب عن أهلها، كما يدرأ الله ببركة مزار أبيه الإمام الكاظم عليه السلام العذاب عن أهل بغداد(1). إنّ هذه الأمثلة من العطاء لمّا كانت لطفاً إلهيّاً توجب أن يكون وجود قبر هذا الشخص في أرضٍ ما مصدر عطاءٍ لسكّان تلك الأرض كلّهم.

 

•ادّعاء البابيّة والسفارة 
لا يخفى أنّ الارتباط بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف أمل كلّ منتظرٍ، وموضع فخرٍ لكلّ من له معرفة، إلّا أنّ هذه البضاعة ثمينة، عظيمة القدر والمنزلة. ويلاحظ أنّ الأولياء كانوا ينزّهون أنفسهم عن أيّ ادّعاء لاستنارة قلوبهم بنور هذه الشمس، إلّا أنّ ثمّة مدّعين اتّخذوا من الارتباط بقلب العالم وسيلةً للوصول إلى أهدافهم الحسنة والسيّئة، فاحتالوا –من حيث يشعرون أو لا يشعرون- على بعض المؤمنين المشتاقين المتعطّشين إلى سماع خبرٍ عن رؤيةِ أثرٍ لروح أرواح العالم.

 

1- ماذا تعني البابيّة والسفارة؟
لقد أُطلق لفظا (البابيّة) و(السفارة) على من يدّعي الارتباط بإمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ومن يدّعي وصول أمر له من الإمام عليه السلام(2)؛ أي الذين كانت لهم صلة بالإمام المعصوم عليه السلام وحصلوا على جملة من التعليمات من لدنه. ومعه تكون هذه التعاليم حجّة شرعيّة وحكماً إلهيّاً عليه وعلى من يستمع -ممّن يقع واسطةً بين الإمام عليه السلام وبين الآخرين- تلك التعاليم. هذا هو المعنى الحقيقيّ لدعوى السفارة، وإن لم يصرّح مدّعو الارتباط بصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف بها.

وجديرٌ ذكره، أنّ التشرّف بزيارة الوجود المبارك لصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي يعبّر عنه باللقاء غير ادّعاء البابيّة أو السفارة. ولا شكّ في أنّ اللقاء به وزيارته ليس أمراً محالاً، كما نال هذا الشرف عبادٌ صالحون في عصر الغيبة، مثل الشيخ المفيد رحمه الله.
 

2- وجوب التحدّي
على أساس حكم العقل والنقل، كان من وظائف محبّي ومنتظري الظهور الحقيقيّين تكذيب مدّعي السفارة وتلقّي الأحكام من قبل الإمام(3)؛ وذلك أنّ فتح الباب أمام ادّعاء المدّعين يخلق جوّاً من شأنه أن يجعلنا نسمع كلّ يوم، بل كلّ لحظةٍ، بظهور مَن يدعو إلى نفسه، ويدّعي أنّ له رسالةً يجب إيصالها إلى البشر، ممّا قد يفسح المجال لمن يدّعي التغيير في الأحكام والفرائض، فيفضي إلى رواج الهرج والمرج. وعلى هذا الأساس، لا يكون تكذيب هذا المدّعي واجباً فحسب، بل يحرم كلّ ما من شأنه أن يقوّي ويجرّئ هؤلاء المدّعين، بدليل العقل وحرمة الإعانة على الإثم.

 

3- الاحتكام إلى الفقيه
في عصر الغيبة الكبرى لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، يلزم على الأُمّة الإسلاميّة، لغرض الفرار عن دعوى غياب التكاليف والأوامر الصادرة عن أئمّة الهدى عليهم السلام، إطاعة الفقيه الجامع للشرائط في فروع الدين عن درايةٍ، ممّن له القدرة على استنباط الأحكام الشرعيّة عن طريق الأدلّة العقليّة والنقليّة لتنظيم حياة الفرد والمجتمع.

 

- لا اعتبار بالمنامات
لا اعتبار بالمنامات والرؤى أو دعاوى الارتباط وتلقّي الأوامر من الإمام المعصوم عليه السلام في تحديد التكليف العمليّ للمجتمع تجاه إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ إذ لم تُؤمر الأُمّة الإسلاميّة أوّلاً باتّباع هذه الظنون، كما لا توجد ثانياً أيّة ضابطة أو قانون لإثبات صدق الرؤيا أو الادّعاء، حتّى يمكن تشخيص الصحيح من السقيم منها. وإلّا فلو قلنا بجواز أن يدّعي كلّ فرد رؤية الإمام أو تلقّي أمر يحدّد له وظيفته الشرعيّة ونحوها من المسائل، فلا يخفى على أيّ عاقل أنّ دين الله في هذه الحالة لن يبقى مصوناً من التغيّر والتبدّل، كما أنّ المسلمين المنتظرين لن يتمكّنوا من متابعة سيرهم الملكوتيّ في طريق الانتظار بصورة سليمة؛ إذ لن يبقى للإسلام أساس، بل ينهار النظام الفقهيّ والاجتماعيّ للإسلام والمجتمع حينئذٍ.

 

4- المنتظر العاقل
إنّ على كلّ منتظرٍ عاقلٍ أن يحيط بالسبل الحقيقيّة للارتباط بصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف من جهة، وبمعرفة من يدّعي الارتباط به عجل الله تعالى فرجه الشريف من جهة أخرى؛ حتّى يقي نفسه ومجتمعه من الوقوع في وادي الوهم والخرافة الذي لا يخلّف إلّا الانحراف.

 

(*) من كتاب: الإمام المهديّ الموجود الموعود - الفصل الرابع: الانتظار – بتصرّف.
1.راجع: الاختصاص، المفيد، ص87.
2.معجم الفرق الإسلاميّة، شريف يحيى الأمين، ص88.
3.حسبما ورد ذكر في التوقيع الصادر عن الناحية المقدّسة: "سيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفيانيّ والصيحة فهو كاذب مفتر". 4.كمال الدين، ج2، ص193، والاحتجاج، ج2، ص556، مع اختلاف يسير.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع