الشيخ نعيم قاسم
اعتمد الإمام المهدي عجل الله فرجه في عصر الغيبة الصغرى
نظام السفارة، وكان اختيار الإمام عجل الله فرجه لأشخاص السفارة وإيكال الوكالة
الخاصة لهم يقوم على عمق إخلاصهم وقوة تحملهم للتعذيب فيما إذا وقعوا تحت أيدي
السلطة. ولم يشترط الإمام عجل الله فرجه أن يكون السفير هو الأعمق فقهاً أو الأوسع
ثقافة. ومن هنا عندما جاء بعضهم يعترض على أبي سهل النوبختي ويقول له: كيف صار هذا
الأمر - أي السفارة - إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك؟ قال: "هم أعلم وما
اختاروا، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم وأناظرهم، ولو علمت بمكانه كما علم أبو القاسم
وضغطتني الحجة، لعلي كنت أدل على مكانه. وأبو القاسم لو كان الحجة تحت ذيله وقُرض
ذيله بالمقاريض ما كشف الذيل عنه".(1)
* الجهاد لمواجهة الظلمة
الجهاد ضرورة لحماية استقامة المؤمنين من الأعداء، فهو رد فعل على العدوان
والاحتلال والظلم. ولو استقرأنا ما حدث في التاريخ، لوجدنا منطق القوة والتسلط هو
السائد في المجتمعات المختلفة، وليس منطق الحق والعدل والإنسانية، فقد كانت القبائل
الكبرى تهجم على القبائل الصغرى وتتسلط عليها، وتعتدي الدول الكبرى على الدول
الصغرى لتستعمرها وتستثمر خيراتها وتستخدم شعوبها، ويتسلط الحكام الظلمة على شعوبهم
بقوة الأمن والعسكر والمخابرات والسجون والاغتيالات... والمبرر الوحيد هو منطق
القوة والاعتداد بها. فكيف السبيل لمواجهة هذا المنطق؟
طبعاً، لا يمكن مواجهته
بالموعظة الهادئة، ولا بالاستسلام للظلم والألم، بل يجب مواجهته بالجهاد والمقاومة،
مع كل ما يستلزم ذلك من شدة وغلظة وعزة وكبرياء وصلابة، ليدرك الكافرون أنَّ
المؤمنين يملكون الشجاعة والحزم، وهم عندما لا يستخدمونه فلأن أسلوب دعوتهم إلى
الله تعالى وإلى الصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا ما لا ينفع مع المستبدِّين
والمعتدين والمحتلين الذين لا يلتزمون بأية قواعد إنسانية، إنما يعتمدون على فائض
القوة لديهم لقهر العباد.
* الإمام المهدي عجل الله فرجه مؤيّد بالنصر
من هنا نفهم معنى أن يكون الإمام المهدي عجل الله فرجه منصوراً بالرعب، إذ لا يكسر
سطوة وجبروت الظالمين إلاَّ القوة والرعب فيرتدعون ويقفون عند حدودهم، ثم يستعيد
المؤمنون حياتهم من دون قهر وإذلال. عن الإمام الصادق عليه السلام: "القائمُ منَّا
منصورٌ بالرُّعب، مؤيدٌ بالنَّصر, تُطوى له الأرضُ, وتظهَرُ له الكنوز، يبلغُ
سُلطانه المشرق والمغرب، ويُظهِرُ الله عزَّ وجلَّ به دينَه على الدِّين كلِّه ولو
كرِه المشركون، فلا يبقى في الأرض خرابٌ إلا قد عُمِّر"(2) الإمام المهدي عجل الله
فرجه مؤيدٌ من الله تعالى، لكنَّ طريقَهُ الجهاد وقتال الأعداء، وإعداد العدد
والعدّة، وخوض الحروب، عندها تطوى له الأرض، وينتصر على كلِّ من عليها، ليظهر دين
الله تعالى على الدين كله. إنَّ ظهور هذا الدين في آخر الزمان وعدٌ إلهي للمؤمنين،
لكنَّ مسؤوليتهم أن يعدوا أنفسهم للجهاد والعطاء والالتحاق بجيش الإمام المهدي عجل
الله فرجه لقتال الأعداء.
عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في قول
الله عزَّ وجلَّ:
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ﴾
(التوبة: 33)، فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج
القائم عجل الله فرجه, فإذا خرج القائم عجل الله فرجه لم يبق كافر بالله العظيم ولا
مشرك بالإمام إلا كره خروجه, حتى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت: يا
مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله".(3)
* أشداء على الكفار رحماء بينهم
مطلوبٌ من المؤمنين في كل زمان التميّز بالصلابة والشدة في مواجهة المعتدين والظلمة،
وهذا لا يتنافى مع أخلاق الإسلام والكمال الإنساني. لقد حدثنا القرآن الكريم عن
الجماعة تحت إمرة رسول الله صلى الله عليه وآله، والّتي كانت ملتفَّةً حوله، مؤتمرة
بأمره، تعيش الرحمة بين أفرادها، لكنها شديدةٌ على أعدائها، لتردعهم عن غيّهم وتوقف
طغيانهم الذي لا يتوقف من دون هذه الشِّدة، قال تعالى:
﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ
مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم﴾
(الفتح: 29). وكان الأمر الإلهي للنبي صلى الله عليه وآله أن يُغلظ على
الكافرين لأنَّهم لا يرتدعون عن غيِّهم إلاَّ كذلك، ولا تتم حماية جماعة المؤمنين
عن غير هذه الطريق، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ
الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾(التوبة:
73).
ما أعظم قوة الإيمان، التي تجعل المؤمن يخشع لله تعالى ويخدم
عباد الله ويتراحم مع إخوانه، وفي الوقت نفسه يتقوى بقوة الله تعالى ليقهر أعداءه
منتصراً برعبهم وهزيمتهم. هذه هي الدنيا، التي لا نصر فيها للمؤمنين إلاَّ بقهر
المتسلطين والظالمين والمعتدين، ولا يعمُّ العدل الأرض إلاَّ بالمهدي عجل الله فرجه
المنصور بالرعب، وبنصر الله تعالى ومؤازرة المؤمنين.
(1) الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 391.
(2) الشيخ الصدوق, كمال الدين وتمام النعمة, ص: 331.
(3) المصدر نفسه, ص: 670.