الشيخ نعيم قاسم
"انتهزوا فُرَصَ الخير فإنَّها تمرُّ مرَّ السحاب"(1).
إنَّها الفُرص التي أتاحها الله تعالى لنا في هذه الدنيا، فهو يتوب علينا كلَّما
أخطأنا ثمَّ لجأنا إليه بطلب التوبة والمغفرة، وهو الذي يُرينا العبر والمواعظ من
تجارب الآخرين كي لا نقع كما وقعوا، وهو المُنعم الذي لا إحصاء لنِعَمِهِ
﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ
تُحْصُوهَا﴾(2)
لنستفيد منها في الخيرات والعمل الصالح، وهو الذي يبتلينا لإيقاظنا من غفلتنا
لنستأنف حياتَنا في الطاعة، وهو الذي أمرنا بعباداتٍ تُقرِّبنا منه وتُعيننا في
مواجهة هوى النفس، وهو الذي أرشدنا بفطرتنا إلى صوابيَّة الإيمان وأرسل لنا
الأنبياء هداة ومرشدين... ومن الحكمة أن ننتهز هذه الفُرص استعداداً للآخرة.
* اغتنام الفرص
من الناس من يتراخى ويُهمِل ويسوِّف حتَّى يمرَّ وقت الشباب والقدرة على الإيمان
والعمل الصالح. انتبه فقد يُغلقُ بابُ الفرص بتراكم الذنوب والانجذاب إلى المعاصي،
أو بالموت المفاجئ لدنو الأجَل. قال رسول الله: "من فُتِحَ له بابُ خيرٍ فلينتهزه،
فإنَّه لا يدري متى يُغلقُ عنه"(3)، وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "الفرصةُ
سريعةُ الفوت بطيئةُ العَود"(4).
لا تعتمد على طول الأمل
بحياة مديدة في هذه الدنيا، فربَّما داهمك الموت حيث تكون، فالأَجَلُ مؤقتٌ بإرادة
الله تعالى وتقديره، وليس مرتبطاً بسنٍّ معينة أو احتياطات يتخذها الإنسان، فأنت لا
تعلم عمرك في هذه الدنيا، قال تعالى:
﴿إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا
تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ
خَبِيرٌ﴾
(سورة لقمان : 34). اغتنم الفرص التي تهيأت
لك في كل المجالات، واعمل بما أوصى به نبينا محمد صلى الله عليه
وآله أبا ذر الغفاري رضي الله عنه: "يا أبا ذر،
اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل
شغلك، وحياتك قبل موتك"(5).
فالشباب قوة العنفوان، وما تنجزه خلاله كبيرٌ وعظيم،
فإذا ما هرمت، يضعف بدنُك، وتهدأ نفسُك، وتقلُّ رغباتك، ولا تقوى على فعل أشياء
مهمة، وعندها لا أثر فعَّالاً لاستقامتك، إذ لا قدرة لديك. والصحة
نعمة، ولا يعلم إلاَّ الله تعالى كم تدوم. أمّا إذا أنعم الله تعالى عليك بالمال،
فاصرفه في الحلال، وأدِّ الحقَّ الشرعي من الخمس والزكاة، ولا تسرف فيه، ولا تكن
بخيلاً، واستمر في تواضعك مع الناس، فلعلَّ حادثة أو سبباً ما يُذهب ما تبقى لك من
مال، أو أن رزقك المقسوم الذي حصلت عليه غنياً في بداية حياتك انتهى فقراً في
نهايتها، فانتبه كيف تحصل على مالك، وكيف تصرفه بما يرضي الله تعالى.
والفراغ آفة لمن أضاعه، ونعمة لمن ملأه بالخير والعمل والتعلم والتبليغ وصلة
الأرحام... فكم من فراغ أدَّى إلى اليأس والفشل بسوء الاستفادة منه، فإذا ما استفدت
من فراغك بإعداد برنامج عبادة وصلاح وعملِ خير فهو رصيدك قبل أن تنشغل مضطراً بما
لا تستطيع معه أن تجد وقتاً فارغاً تملؤه كما تريد.
* الحياة فرصة العمر
وأما الجامع لكل هذا فهو هذه الحياة الدنيا، وهي مسرح العمل، وهي التي تأخذ منها
سعادة الدارين، أو تفشل فيها بخسارة الدارين، فلا ربح حقيقياً في الدنيا إلاَّ
ويتبعه ربحٌ خالد في الآخرة، ولا خسارة بسبب المحرمات والآثام والالتهاء بزينة
الدنيا الحرام إلاَّ ويتبعها جهنم وبئس المصير، فالحياة فرصة العمر المحدود لمصلحة
الخلود، فانظر إلى حياتك في طاعة أوامر الله والانتهاء عن نواهيه، تسعد تَفُزْ.
اسمع نصيحة أمير المؤمنين علي عليه السلام: "أيها الناس، الآن الآن من قبل
الندم، ومن قبل "أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ
اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ", أَوْ تَقُولَ "لَوْ أَنَّ اللَّهَ
هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ", أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ
أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ"، فيردُّ الجليل (جلَّ ثناؤه):
﴿بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ
بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾
(6).
* من جند الإمام عجل الله فرجه
تفكَّر في كل هذا، والتفت إلى أنَّك في زمن الغيبة الكبرى للإمام المهدي عجل الله
فرجه، فما تقوم به على درب الصلاح يؤسس لالتحاقك بجند الإمام القائم عجل الله فرجه،
وما تستفيد منه في شبابك وصحتك وغناك وفراغك وحياتك جزءٌ من إعداد العدة اللازمة
لتكون من أنصاره وأعوانه. يمكنك أن تكون واحداً من أولياء الله تعالى الموالين
للحجة ابن الحسن عجل الله فرجه بجهادك لنفسك واستقامتك على الجادة الصالحة، فاحذر
من تضييع الفرصة، فتكون وحيداً لا ناصر له ولا معين، وكن واثقاً من أنَّ التزامك
بالإسلام المحمدي الأصيل سيجعلك في ركب صاحب الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء،
فتربح نفسك ودنياك وآخرتك مظلّلاً برضوان الله تعالى. عن
أبي بصير، قال الصادق عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ:
﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ
لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي
إِيمَانِهَا خَيْراً﴾,
يعني خروجُ القائم المنتظر منَّا، ثم قال عليه السلام: يا أبا بصير, طوبى لشيعة
قائمنا, المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياءُ الله
الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون"(7).
(1) الليثي الواسطي, عيون الحكم والمواعظ, ص:89.
(2) سورة النحل، من الآية 18.
(3) الميرزا النوري, مستدرك الوسائل, ج 12, ص: 140.
(4) الليثي الواسطي, عيون الحكم والمواعظ, ص: 21.
(5) الحر العاملي, وسائل الشيعة, ج 1, ص: 114.
(6) الشيخ الطوسي, الأمالي, ص: 685.
الشيخ الصدوق, كمال الدين وتمام النعمة, ص: 357.