على الإنسان التوجّه في أفعاله وأعماله إلى ما يبقى وليس
إلى ما هو زائل ويفنى. فالأعمال الصالحة، والطاعات الإلهية، وكل ما يقرب إلى اللّه
عزّ وجلّ يبقى مع الإنسان إلى يوم القيامة، وإلى ما بعد القيامة. الأعمال الصالحة
للإنسان، أو كما قال عنها الباري تعالى: "الباقيات الصالحات" لا تفنى. فالطاعات
والعبادات والمقرّبات ليست مادية تزول بانفصال البدن عن الروح، بل هي باقية وثابتة،
بل وستظهر بصورة معنوية في عالم الآخرة. ولكي لا نكون من الغافلين! علينا أن نعلم
أن أولئك الذين استشهدوا أو قدّموا شهداء إنّما مضوا في سبيل اللّه، في سبيل طريق
الله واللّه تعالى يعلم أي تاج وضع فوق رؤوسهم بالفعل، وإن كان بعض لا يرى ذلك إلاّ
بعد مغادرته هذه النشأة في دار الدنيا. وربّما كان بعضهم، ممّن هم من أهل الكمال،
يرى ذلك هنا، فيعلم أن فلاناً من الناس مثلاً يمتلك تاجاً على رأسه، بينما "فلان"
الآخر لا يمتلك ذلك!.
* الشهادة هي السعادة
إن استشهاد أقارب المرء هو بنفسه كرامة من اللّه عزّ وجلّ. والشهادة بنفسها هي ممّا
يوجب المسرّة لا الحزن. أما الحزن الذي يظهر علينا حين استشهاد أحد أحبائنا فسببه
أن ذلك الشهيد قد ارتحل من المكان الذي يجمعنا معه بينما بقينا نحن. كما أننا لا
ننشغل بالتفكير بأفضلية حاله عن حالنا، وبأننا مكدّرون بينما هو في راحة. ولا
نفكِّر في الأمور التي جعلها اللّه له. أما نحن الذين بقينا بعده في هذه الدار فلا
يُدرى كيفية ارتحالنا عنها، هل نمضي مع الإيمان أم بدونه؟ هو قد مضى مع الإيمان.
مضى شهيداً. علينا أن نفهم أن الشهادة من موجبات السعادة، وأنها ترتقي بكل فرد إلى
رضوان الله الأكبر. وهذه الدار الدنيا ليست دار الخلود، بل على الفرد منّا أن يسعى
لجمع ما قال عنه تعالى "الباقيات الصالحات"، عندها يعلم في الدار الآخرة عظمة ما
جمعه هنا. فمثلاً اللّه تعالى يعلم كم من الآثار المعنوية للصلاة على محمّد وآل
محمّد ولو لمرة واحدة وخاصة عندما نهديها للميّت. علينا أن نهتم للكيفية وليس
للقلّة والكثرة.
* العمل لله
إنّ إنفاق القليل من المال (ولو كان زهيداً) في سبيل الله يكون من الباقيات أما لو
أنفق في المقابل الآلاف من الذهب والفضة دون أن يكون ذلك للّه، فذاك يكون من
الفانيات. إن الإنسان العامل لله يترقّى باستمرار، وينمو آناً فآناً. ومن المحال أن
نقوم بعمل خير للّه عزّ جلّ ويكون مغفولاً عنه
﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ
﴾ (سبأ:3). علينا الالتفات! فكل خير
أو شرّ يصدر عن أيّ كان سيكون هناك بارزاً ظاهراً. واللّه يعلم مقدار الناظرين
والذين سيطّلعون على هذه الأوضاع! واللّه يعلم أي جزاء ثابت سيؤدى للإنسان على
أعماله، خيراً كانت أم شرّاً! لا ينبغي التوهّم أن المسألة مسألة قلّة وكثرة، بل
المدار على الكيفية. فإن كان العمل للّه فله قيمته حتى لو كان قليلاً، وإن كان لغير
اللّه فلن ينفع ولو كان كثيراً. إننا ضيوف اللّه وعلى سفرته، وهو يرانا ويعلم ما
الذي نفعله، وما الذي نفكِّر بإتيانه. فهو يعلم أفضل منّا خيالاتنا وأفكارنا. "اللّه
تعالى مطّلع" وعالم بكل شيء. فرسله في كل مكان، عن اليمين وعن الشمال، بل موجودون
في كل مكان.
* القرآن والعترة الطاهرة
في الختام نقول إن علينا الانتباه! فلا حيلة إلاّ باللجوء إلى اللّه تعالى والتوسّل
إليه. ليكن القرآن معنا في يد والعترة في اليد الأخرى. العترة: معارفهم في نهج
البلاغة, وأعمالهم في "الصحيفة السجّادية" مثلاً، وأعمالهم التكليفية في الرسائل
العملية مثلاً. إن ميزتنا نحن من بين المسلمين وغير المسلمين هي أننا نمتلك أصلين
ينفعان للدنيا والآخرة، ففي أمر دنيانا أيضاً، لو أصبنا بمرض أو حلّ بنا بلاء ما،
فإنّه ينالنا الفرج بمجرّد أن نتوسّل بهم. أئمّتنا مراجع في المعارف والعلوم
العقلية، كما أنّهم كذلك في الأمور الشرعية والتكليفية أيضاً. ومنهم نتعلّم طريق
مناجاة اللّه عزّ وجلّ، وطريق العبودية له. بل نستطيع باتباعنا لهم أن نستغرق
أوقاتنا كلّها في طاعة اللّه بنحو لا نخرج فيه عن الطاعة في كل ما نقوم به.