حوار: جومانة عبد الساتر
أصبحت في الآونة الأخيرة مصطلحات العنف والإرهاب والجهاد مثاراً للجدل والنقاش،
وأصبح الجهاد بحسب المعادلة الأميركية والصهيونية هو ذاته عنفاً وإرهاباً. فما هو
التعريف الحقيقي لهذه المصطلحات: العنف والإرهاب والجهاد؟ وما هي أسباب الجهاد
وأهدافه وارتباطه بحرية الإنسان؟ وبالتالي كيف نصحِّح النظرة الغربية حول هذه
المفاهيم؟ وأين أخطأ المسلمون وقصّروا في تقديم الإسلام؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه
في هذا الحوار مع الدكتور الشيخ محسن الحيدري من الجمهورية الإسلامية مؤلف كتاب "الإرهاب
والعنف" في مجلداته الثلاثة والتي استند فيها إلى أحاديث أهل السنّة والشيعة والفقه
المقارن وآراء المفكرين الغربيين.
* ما هو مفهوم الجهاد من وجهة نظر الشارع الإسلامي
المقدّس؟ وما مدى ارتباطه بالحرية الدينية للإنسان؟
بالنسبة إلى الصورة الصحيحة التي يمكن أن نستشفها من خلال الأدلة القرآنية حول
الجهاد نرى أنَّ الجهاد هو بذل الجهد في سبيل الوصول إلى الهدف. وفُرض الجهاد على
المسلمين لأنَّ الهدف هو أن يواصل الإنسان مسألة التكامل الاختياري للوصول إلى الله
تعالى
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ
كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا...
﴾ (الإنشقاق:6). فالصورة الصحيحة
للحياة الشريفة الإنسانية هي أن تكون مصبوغة بصبغة الله، هذا هو الهدف. لكن هناك
عوائق كثيرة قد تعيق الإنسان فرداً وأمة عن الوصول إلى هذا الهدف. وهذه العوائق
بعضها معنوي وروحي وأخلاقي وبعضها بشري.
أمَّا العوائق الروحية فهي عبارة عن
الرذائل الأخلاقية والأفكار الانحرافية والسلوكية، والعوائق البشرية هي عبارة عن
أعداء الإنسانية. أعداء الإسلام هؤلاء يصادرون حرية المسلمين. هؤلاء قد يهجمون على
كيان الأمة الإسلامية ويعبثون وينشرون الجور والفساد والظلم والانحراف في المجتمع.
فالعدل والخبرة تحكمان على هذا الإنسان بأن يزيح الموانع والعوائق عن طريقه. وليس
الجهاد في الإسلام إلا عبارة عن إزاحة تلك العوائق. ومن هذا المنطلق نرى الإسلام
يصور لنا الجهاد بصورتين جهاد النفس وجهاد العدو.
والمقصود من جهاد النفس هو تزكية
النفس وتهذيبها في سبيل إزالة الموانع الأخلاقية والمعنوية والروحية وهو بالطبع
الجهاد الأكبر وهو بالنسبة إلى جهاد العدو الذي هو الجهاد الأصغر يستلزم طاقات
كبيرة ويستلزم أن يعطي الإنسان أثماناً كبيرة في سبيل هذا الهدف، ولذلك لما رجع قوم
من المسلمين الذين كانوا في سرّية يجاهدون الأعداء استقبلهم الرسول صلى الله عليه
وآله فقال: "مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر" (1) وهذا هو
جهاد النفس. أما جهاد العدو فهو جهاد المشركين الكفار المنافقين البغاة. وهناك
الجهاد التربوي في سبيل إنقاذ الأمة المستضعفة المكبلة بقيود الغطرسة الظالمة.
* كيف يمكن فهم مسألة الجهاد في بعديه الدفاعي والهجومي؟
الجهاد في الإسلام منقسم إلى قسمين جهاد دفاعي وجهاد هجومي. الجهاد الدفاعي المقصود
منه هو أن يهاجم عدو من أعداء الإسلام الأمة الإسلامية فيفرض الإسلام على تلك الأمة
المعتدى عليها أن تدافع عن نفسها. وهذا الجهاد له مصاديق كبيرة في إيران الإسلامية
وفي لبنان الذي طرد إسرائيل عن أرضه عام 2000، والآن جهاد الانتفاضة الإسلامية في
فلسطين هو نموذج آخر. وهذا الجهاد الدفاعي فرض عين على الأمة الإسلامية رجالاً
ونساءاً، إذ يجب على كل أفراد الأمة أن يبذلوا جهدهم في سبيل مقاتلة العدو. ويمكن
أن يكون هذا الجهاد بالنفس، بالمال، بالقلم وما إلى ذلك. أما الجهاد الابتدائي أو
الهجومي فهو عبارة عن دعوة الكفار إلى كلمة سواء فإن لم يستجيبوا يقاتل المسلمون
الكفار. لكن هذا التقسيم يعني أن الجهاد الدفاعي الخاص دفاعاً عن الأرض والنفس
والمال وما إلى غير ذلك إذا عممناه على جميع الحقوق الظاهرية كحق الحرية والأمان
والأرض والاستقلال والنفس والمال وعممناه إلى حقوق الفطرة والحرية والتوحيد يصبح
الجهاد الهجومي جهاداً دفاعياً لأنه دفاع عن تلك الحقوق، وعليه فليس في الإسلام إلا
جهاد واحد هو الجهاد الدفاعي. أما منشأ ومصدر ضرورة الجهاد الدفاعي فيمكن استفادته
من عدة جهات، أولاً: العقل، وثانياً الفطرة، وثالثاً سيرة العقلاء، ورابعاً الأدلة
الشرعية.
* لماذا يشوه الغرب صورة الإسلام؟
هذه الهجمات الثقافية التي يقوم بها الغرب ضد الإسلام ليست حديثة إنما هي قديمة
بقدم الإسلام وبقدم شراسة أعداء الإسلام. فمنذ أن انبثق نوره واجه ثلاثة أنواع من
الأعداء: المشركين، المنافقين، اليهود والنصارى الذي حقدوا على الإسلام ورأوا أنه
لا يرضخ لمصالحهم الشيطانية وأطماعهم التوسعية، وحاولوا أن يردوا المسلمين عنه، وفي
ذلك قال الله تعالى في كتابه العزيز:
﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ
النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾
(البقرة: 120) وفي موضع آخر:
﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ
حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ﴾
(البقرة: 217). فبعد أن آيس اليهود والنصارى من رد المسلمين عن الإسلام
بقوة السيف والقتال بدأوا بحرب باردة وناعمة على الإسلام من خلال بث الإشاعات
وزعزعة عقائد المسلمين وإيجاد التزلزل في عقائد الذين يمكن أن يقدَّر لبعضهم أن
يدخلوا في الإسلام ونتيجة لذلك امتنعوا عنه وعلى رأس هذه الإشاعات ما قيل من أن
الإسلام هو دين السيف والسيطرة على الناس ولا يملك منطقاً إسلامياً صحيحاً إنَّما
يملك القدرة فقط. ماذا علينا أن نفعل لتعزيز الصورة الصحيحة للإسلام كما وردت
في روايات أهل البيت عليهم السلام والقرآن الكريم؟ الطريقة الصحيحة تكون من
خلال عرض الإسلام الذي عبَّر عنه الإمام الخميني قدس سره حيث فرز الإسلام المحمدي
الأصيل عن الإسلام الأميركي وعرض الإسلام بجهاده ومرونته وتسامحه وعدله وميّزه عن
التفسيرات الخاطئة والقراءات المتخلفة التي عبثت به وشوَّهت صورته أكثر مما يشوّهه
أعداء الإسلام. وعلينا عرض هذا الإسلام على وسائل الإعلام والقنوات الفضائية وغيرها.
* كيف ترى واقع الجهاد في العالمين العربي والإسلامي
اليوم؟
المسلمون انقسموا إلى تيارات مختلفة، فهناك حكومات تحاول المحافظة على سلطتها مهما
جرى على الإسلام والمسلمين حتى وإن هُتك الإسلام، وهناك مسلمون ملتـزمون يحاولون أن
يدافعوا عن الإسلام وموقعهم وعزتهم ويبذلون مما أوتوا من قوة لأجل الحفاظ على
الإسلام كما فعلت المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين. كل مسلم لو حاسب نفسه
بأنه ماذا يمتلك من قدرة ومال ونفس وفكر وبيان للدفاع عن الإسلام والجهاد عن عزّة
الإسلام والمسلمين وهل استفاد من قدراته أم لا، عند ذلك يتطور الأمر ولا يمكن
لإسرائيل وأمثالها البقاء والغطرسة وبث الفرقة.
* ما هو رأيكم بحوار الحضارات القائم الآن بين المسلمين
والمسيحيين ودعوات الوحدة بين المسلمين الشيعة والسنة؟
الحوار شيء عقلائي والقرآن الكريم يحبِّذ ذلك بقوله عند مخاطبته الرسول "وإن أحد من
المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه" أي في خضم الحرب إذا
استجارك أحد المشركين فاعرض عليه الأمان حتى يسمع كلام الله، أي حاوره فإن أجابك
وأسلم كان به وإن لم يجبك ولم يقتنع فأبلغه مأمنه أي لا تغدر به ولا تقتله..
* تشن بعض الفضائيات حرباً على الشيعة والتشيع وأنتم
تدعون إلى الوحدة ونبذ التفرقة والالتقاء، كيف تردون على ذلك؟
ينقل عن فوكاياما أنَّ إسرائيل لم يهدد أمنها بالخطر إلا الثورة الإسلامية وذلك لأن
الثورة الإسلامية قامت على التشيع والتشيع له جناحان: جهاد أحمر وهو منطق الاستشهاد
العاشورائي وجهاد أخضر وهو منطق انتظار الفرج والأمل في ظهور العدل الإلهي المطلق
الإمام المهدي عجل الله فرجه. ولا يمكن مواجهة الثورة الإسلامية إلا بعزلها عن
التشيع، ولا يمكن عزل الشيعة إلا بالغزو الثقافي لمرتكزاتهم.
* ما الدافع وراء إصداركم كتاب الإرهاب والعنف بمجلداته
الثلاثة؟ ما الذي أردتم قوله؟
الدافع هو الدفاع عن الإسلام وصورته النقية لأن الإسلام معرض لتشويه صورته والهجوم
عليه بذريعة الإرهاب والعنف، الدفاع عنه من خلال القرآن والسنة والفقه المقارن.
وطرحت في المجلد الأول بحوثاً تمهيدية عن معنى الإرهاب والعنف. ثم تحدثت عن الإرهاب
والعنف في الغرب وموقف المفكرين الغربيين بالنسبة إلى عرض سياسة التساهل والتسامح
ونقد هذه الفكرة الغربية ثم عرضت صورتين للإرهاب والعنف، واحدة غير مشروعة وإن كانت
باسم الإسلام مثل إرهاب الحكومات، وصورة أخرى عن الحركات الإرهابية التي ادعت
الإسلام والإسلام منها بريء، كطالبان والقاعدة اللتين تدعيان العمل باسم الإسلام
واللتين ترفضهما كل الأمة الإسلامية. وهناك صورة أخرى إيجابية للإرهاب والعنف هي
إرهاب عدو الله كما ورد في القرآن الكريم
﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم
مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ
وَعَدُوَّكُمْ﴾
(الأنفال: 60).
فالإرهاب في الإسلام هو إرهاب عدو الله لا إرهاب عباد الله
لأن الأخير هو ظلم واعتداء وغير مشروع. فالثورة الإسلامية خير مصداق للعنف الشرعي
الذي نميزه عن الصورة الأولى. أما في المجلد الثاني فقد طرحت بوضوح السلم والرفق
والمداراة والعدل والحرية والإحسان والأخوة. وهذه الأشياء تدل على الأمن والأمان
والأصل الأول في الإسلام. والذي يدل على ذلك نفس عنوان الإسلام المأخوذ من السلم
ورب الإسلام الذي هو الرحمن الرحيم وتتصدر هذه الكلمة جميع السور القرآنية إلا سورة
واحدة. ورسول هذه الرسالة هو النبي الكريم الرؤوف بأمته وجميع البشر
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ
لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾
(آل عمران: 159).
ومباني تعاليم الإسلام أسست على العدل والقوة والمداراة
والأمن والخير والسلام. الإسلام ينفي في الأصل الأولي كل أنواع الإرهاب والعنف.
وفي المجلد الثالث الموارد الاستثنائية في الظروف الطارئة كقضية الجهاد، والحدود
الشرعية والقصاص، فبحثناها بحثاً فقهياً مقارناً ذاكرين آراء فقهاء الشيعة حولها.
وفي خاتمة الكتاب تعرضنا إلى موضوع الزعامة والقيادة في النظام الإسلامي في ضوء
المدرستين مدرسة أهل البيت عليهم السلام ومدرسة الخلفاء.
(1) الكافي، الكليني، ج5، ص12.