مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قصة العدد: سُلَّمُ الجراح


ولاء إبراهيم حمود


سألتْها "ماجدة" يوماً: "أجيبيني بصراحة، ألا تندمين الآن عندما ترين "ليلى" وقد كنتما زميلتين في صف واحد في عيادتها الكبيرة في النبطية، وتسكن في الفيللا التي استطاعت بناءها بفضل أموال الاختصاص الذي رفضتِ يوماً منحة دراسته، لتكتفي الآن بكتابة هذه الوريقات الصغيرة التي لا تنتج لكِ ثمنها والحبر الذي به تكتبين؟" أجابتها دون تردد: "لا وعينيه الشهيدتين، لم ولن أندمَ يوماً.

أنا تركتُ منحة اختصاص كان سيؤمن لي الفيللا والسيارة والعيادة كما تقولين، لأنّني سافرت بتلك المنحة". وأصغت ماجدة بانتباه تام لأحد تلك المواقف التي كانت تحب سماعها منها: "في العاشر من آذار عام 1985 وبعد مجزرة بئر العبد الشهيرة، كنت أجلس في المقعد الخلفي للسيارة. كانت تقلُّني معه إلى دمشق حيث كان يعالـــج كانت قدماه المهيضتان في حِجْري، أُدلِّكهما بمراهم مسكنات الألم الذي كان يسببه له بقاء عصب واحد حيٍّ، لم يكن كافياً لاستفادته القدرة على السير والحركة بعد الإصابة في عموده الفقري منذ اجتياح العام 1982. وكنت أعتني بين الحين والآخر بطريقة جلوسه مستنداً إلى الباب الثاني في السيارة التي كانت تسرع بنا فوق منعطفات الجبل الخطرة، قبل أن يُداهمنا القصف "الأهلي" وأنتبه فجأة إلى توقفي عن الإصغاء إليه بعد أن لاحظ نظراتي الدامعة تلاحق حافلةً تسير أمامنا، إلى وجهتنا ذاتها، وبعد معرفته أن ركابها طلابٌ في عمري لأنه لمح بينهم إحدى صديقاتي. عرف أن مكاني كان يفترض أن يكون بينهم لكنني تخليت لأجله عن التوجه معهم إلى دراسة الطب النسائي ضمن المنحة التي ذكرتِها الآن. دعاني وعيناه الزرقاوان تشعان حباً ورجاءً إلى مسح دموعي قائلاً: توقفي عن البكاء؛ لأجلي، يا أختي، أقسم أن الله سيعوضها لكِ وستحققين هذا الحلم الجميل الذي خسرتهِ الآن بسبي، بأولادك يوماً، ستكون مكافأة الله لكِ وستكونين بها أكثر سعادة من حزنكِ الآن".

وكعادتها لم تتركها "ماجدة" تلتقط أنفاسها، فاستحثتها "وماذا حدث بعدها"! "أمرٌ يستحق أن يذكرَ الآن" أجابتها وهي تمسح دموع تأثرها باستعادة تلك اللحظة البعيدة: "لقد قبّلتُ بحب كبير يده التي قاومت ببسالةٍ قبل الإصابة، وضممْتُ قدميه، اللتين كانتا أصلاً قريبتين إلى قلبي لأنّهما كانتا فيما مضت ثابتتين شجاعتين في المواجهة ضد العدوّ الإسرائيلي وكل أعداء هذا الوطن، وتابعْتُ معه طريقي إلى دمشق. ولم أبكِ بعد الوصول إليها عندما رأيت الحافلة الذاهبة بحلمي إلى وجهةٍ أُخرى، فقد كانت جراحُ أَخي الشهيد الحي المقاوم حينها. وسمةً تستحق في العناية والحب اطمئنانة ضميري".

وألحَّت "ماجدة": "ولكن حلمكِ بدراسة الطب..." قاطعتها صديقتها بفرحٍ وثقةٍ واعتزاز: "انظري حولكِ يا عزيزتي... ترين وعدَ الله الذي نطق به أَخي قبل أن يبلغ درجة الشهادة عبر سُلَّم الجراح... انظري ألا تتجلَّى أمامكِ مكافأة الله سبحانه لي"؟. وبعد أن نظرت ماجدة حولها فعلاً، حمدت الله بحرارة صدْق الوعدِ الذي رأته، فقد رأت أربعة فِتيةٍ آمنوا بربهم فزادهم هدىً وعلماً وقد حملوا على وجوههم بفضلٍ من الله جمال أحلام أمهم، فكبراهم تغادر الجامعة وفي يدها شهادة تخرجها، بينما يتأهب الآخر لدخولها مقاوماً، والباقيان يسيران على هدْي الطريق وقد أعلنوا لها جميعاً أنهم لن ينسوا ولن يُفقدوا على هذي الدروب الخطى الشجاعة... للخال الشهيد. ولمحت صديقة "ماجدة" هذه المرة على وجهها ملامح سؤالٍ تتردد في طرحه، فأضافت مقفلةً بذلك بوّابة الحدث على كلمته الأخيرة الحاسمة: "أما وريقاتي الصغيرة، التي تستنكرين عليَّ قلة مردودها، فقد باتت بين يدي، بندقية أخي التي لم يُلْقنها إلا بعد استشهاده، وقلمي رصاصها الّذي أشارك به المجاهدين جهادهم. هذه الوريقات يا "ماجدة" هي نصيبي من مقاومة رواني حبُّها من جهاد أخويَّ الشهيدين عزاً وكرامةً.

هي كلّ ميراثي العظيم من أمتي وفيها أولادي يقتبسون منها كلمات الجهاد الكبير، يخطُّونه فيما بعد، دماً وعلماً وثباتاً، وهي عندي أشرفُ من كلّ أموال الكون لأنّها تساهم في تأمين كرامة بناء العيادة وإشادة المسكن، ورفع صرح علمي جامعي، يكون عماداً يقوم عليه ثابتاً قوياً مجمتع المقاومة الشريفة الشمَّاء، مضيئاً دروب الله، وهَّاجاً بين سائر مجتمعاتِ الأرض".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع