الأرض بالنسبة لأصحابها كنز لا يفنى وثروة لا تقدّر بثمن، وقد يضعها بعضهم في منزلة
النفس والولد، ويعتبرها كثيرون نعمة كبرى لا ينبغي التخلي عنها أو التفريط بها.
لكن
عند آخرين قد يصبح حب الأرض وامتلاكها نقمة مدمرة تدفع بهم إلى ارتكاب الآثام
المهلكة كالظلم وغصب حقوق الغير، ما يؤدي إلى نشوب الخلافات والنزاعات المستعصية
بين الأقارب والأرحام والإخوة الذين كان يجمعهم ترابها فأصبحوا في جنباتها متخاصمين.
وهناك قصص كثيرة لا تخلو منها بلدة أو قرية تروي حكايا النزاع على الأراضي وما
عليها من ممتلكات وبيوت وبساتين وأرزاق، فهذا الذي سلب أرض أخوته ظلماً وعدواناً
بقوة السلطة والنفوذ، وذاك الذي استولى على أرض أخيه بحجة أحقيته بها في غيابه،
وذاك الذي سطا على أرض أبيه في حياته بالحيلة والخداع، وذاك الذي أنكر على أخواته
حقهن في الإرث بذريعة أن البنات لا ترثن أباهن، وذاك الذي حرم أبناء أخيه من حصتهم
بعد وفاة أبيهم، وذاك الذي وضع يده على الأراضي الخصبة تاركاً لإخوته ما دونها من
أراضٍ قاحلة وجرداء، وذاك الذي زرع أرض أبيه بنية امتلاك المزروع وما تحته، وذاك
الذي قضم أرض جاره الذي لا يملك حجة موثقة، وذاك الذي استغل فقر قريبه لينتزع أرضه
بأبخس الأثمان...
إن العبرة من هذه القصص وغيرها تؤكد لنا أن حب الأرض يجب أن يكون
شعوراً نبيلاً نحمله بين أضلاعنا، ولا يجب أن نحوّله إلى كتلة من نار الطمع والجشع
تحرق وتلتهم كل ما تمتد إليه، وتذكّرنا بأن مهما اتسعت ممتلكات الإنسان وتمددت لن
يأخذ معه منها إلاّ حفرة صغيرة يتمدد فيها جسده الهامد أعدَّت ليوم الرحيل .