الشيخ نعيم قاسم
تتجاوز مسؤولية المسلم إيمانه كفرد، فهو مسؤولٌ عن الدعوة
إلى الله تعالى لجذب الناس إلى الإيمان، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم مبعوث
رحمة للعالمين، قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ﴾
(الأنبياء:107)، وهو قدوتنا ومعلمنا، فعلينا أن نهيئ أنفسنا لدعوة الناس إلى
الإسلام الحق، بحسب قدرتنا ومحيطنا، ومن ضمن القاعدة التي رسمها الله تعالى في
كتابه العزيز:
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ﴾
(النحل:125). وأيُّ وسامٍ أعلى وأرقى من الالتحاق بالمسيرة الإلهية والدعوة إليها؟
قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا
إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾(فصلت:
33).
لكي نتمكَّن من تحمل مسؤولية الدعوة إلى الله تعالى، يجب علينا أن نعدَّ أنفسنا،
ونتعرَّف إلى طريق الهدى، ونعمل عمل الصالحين المستقيمين، فالمهمة عظيمة، ومن أراد
رضوان الله تعالى هيأ نفسه لهذه المهمة، وأفضل طريق للدعوة إلى الله تعالى، ما روي
عن إمامنا الصادق عليه السلام: "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع
والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية"(1). وذلك على أساس وضوح الهدف، وهو توحيد
الله تعالى، وربط كل الأمور به، لتكون كلمة الله هي الأعلى، وليتجرَّد الإنسان من
انحداره المادي نحو الملذات، وبالتالي فهو لا يعمل عملاً إلاَّ لله تعالى، فلا
يهمّه المغنم، ولا حسنُ الذكر، ولا المقام الدنيوي، وإنما أن تكون كلمة الله هي
العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى. روي "أن رجلاً أعرابياً أتى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم , فقال: يا رسول الله! الرجلُ يُقاتل للمغنم، والرجلُ يُقاتل
ليُذكر، والرجلُ يُقاتل ليرى مكانَه، فمن في سبيل الله؟. فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم : من قاتل لتكون كلمة الله أعلى, فهو في سبيل الله"(2).
*أيها المؤمن، أيتها المؤمنة
لا تغادر الدنيا بالقليل منها طالما أنَّ بإمكانك أن تحصل على الكثير، فإذا آمنت
وربَّيتَ أولادك على طاعة الله تعالى فقد أُضيفت إليك حسنات هدايتهم، وإذا سعيت
لتقويم أصدقائك على خط الإيمان فقد رفعت من درجاتك يوم القيامة، وإذا شاركت في
تعليم وتربية بعض الأولاد والشباب في المدرسة أو المؤسسة أو الكشافة أو الجمعية أو
الحزب فقد ربحت ما يعزِّز مكانتك عند الله تعالى، وإذا كنت آمراً بالمعروف وناهياً
عن المنكر لتحصِّن من يحيط بك في ساحتنا الإسلامية فقد سلكت طريق الأنبياء والأئمة
عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنه سيكون في آخر هذه الأمة
قومٌ لهم مثل أجر أولهم، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، يقاتلون أهل الفتن"(3).
هل تعلم بأنَّ الهدف المركزي للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أن يُقيم الدين على الأرض، وينشر العدل
باسم الله تعالى وفق تعاليم الإسلام، وأنَّ قتاله للمشركين والكفار إنما هو للدفاع
عن الحق كما قاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتثبيت دعائم الدين؟ فعن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم : "هو رجلٌ من عترتي, يُقاتل على سنتي, كما قاتلتُ أنا على
الوحي"(4).
*طوبى للصابرين
وهل تعلم بأنَّ المؤمنين الذين يعملون الصالحات هم المستخلفون في الأرض، وإنما
يثبتُهُم الله بثبات دينهم، فيتمكنون وينتصرون ويذهب عنهم الخوف، وهم الذين يمهدون
لصاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء أولئك هم حزب الله، الذين: صبروا
في مواجهة التحديات في غيبة المهدي| دفاعاً عن إيمانهم، وكانوا من المتقين الذين
يخشون الله تعالى ولا يخشون أحداً غيره، فيعيشون الاستقامة في كل شؤون حياتهم،
ويؤمنون بالغيب، فما عند الله خيرٌ وأبقى. تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾،
فقال جندب: يا رسول الله فما خوفهم؟ قال: يا جندب في زمن كل واحد منهم سلطان يعتريه
ويؤذيه، فإذا عجَّل الله خروج قائمنا يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً
وظلماً. ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمتقين
على محجتهم، أولئك وصفهم الله في كتابه وقال:
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾,
وقال:
﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ
حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(5).
انتظارُ الفرج مصحوبٌ بحركةٍ للمؤمنين والمؤمنات لا تهدأ أبداً، فهم يملؤون الساحات
دعوةً إلى الله تعالى، ويؤدون الفرائض الواجبة عليهم من دون كللٍ أو مللٍ أو تراخٍ،
ويبحثون عمَّا يُحسِّن من أدائهم ليكونوا الأفضل والأتقى، ويصبرون في مواجهة
الأعداء والتحديات وهم ممسكون بدينهم ولو قلَّ الناصر والمعين، عن الإمام الباقر
عليه السلام في معنى قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾,
قال: "اصبروا على أداء الفرائض، وصابروا عدوكم، ورابطوا إمامكم المنتظر"(6).
*العبادة شكلٌ وروح
مسؤوليتنا أن نسعى لإيصال مجتمعنا إلى أفضل نموذج. وإنما تكون دعوتنا إلى الله
تعالى بالاهتمام بكل التفاصيل، فلا تكفي الصلاة بشكلها وإنما بضخ الروح والتفاعل
معها، ولا يكفي الامتناع عن الطعام والشراب في شهر رمضان المبارك وإنما بتوجيه
الجوارح لتخشع وتستقيم صبراً وإيماناً، ولا يكفي الحجاب الظاهري وإنما بالعمل على
إتقانه بضوابطه الشرعية وإرفاده بحجاب القلب عن الذنوب، ولا تكفي مظاهر الإسلام
العامة بل علينا أن نُبرزها في معاملاتنا وعلاقاتنا بالآخرين، ولا يكفي أن نكون مع
المجاهدين بل أن نعطي نموذج المجاهد الذي يتميز بالأخلاق العالية وحسن المعاملة مع
الآخرين، ولا يكفي أن نردد ألفاظ الإسلام والإيمان وإنما علينا أن نحولها نوراً
وهداية يشعر ويتأثر بهما كل من عاشرنا وأحاط بنا. المهمة
عظيمة، وهي الدعوة إلى الله تعالى، لكنها مهمة الأنبياء والأوصياء والصالحين، وهي
المهمة التي تجعلنا من جند الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، فلنسارع إلى الأفضل والأتقى،﴿إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾(الحجرات:
13).
الشيخ الكليني, الكافي,ج 2, ص: 78.
صحيح مسلم، ج6، ص: 46.
المقريزي, إمتاع الأسماع, ج 12, ص، 295.
المروزي, كتاب الفتن, ص: 229.
الخزاز القمي, كفاية الأثر, ص: 59و60.
النعماني, كتاب الغيبة, ص: 34.