نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله: الصلاة والطهارات المعنويّة(*)



إنّ وراء ظاهر الصلاة وصورتها، باطناً، له آدابه وشروطه أيضاً. وطالما أنّ هذه الحقيقة هي الوصول إلى مقام القرب الإلهيّ، فإنّ هذا العروج يلزمه طهاراتٌ مختلفة. وقد يُبتلى السالك ببعض الموانع في هذا السير. لذا، يلزم للسالك إلى الله أن يعمل على رفع هذه الموانع أوّلاً، حتى يتّصف بالطهارة الباطنيّة ويكون له حظٌّ من القرب الإلهيّ، ثمّ عمارة النفس بالطاعات.

* رفع الموانع
إنّ حقيقة الصلاة هي العروج إلى مقام القرب والوصول إلى مقام حضور الحقّ جلّ وعلا. وللوصول إلى ذلك تلزم السالك طهارات غير هذه الطهارات المعروفة، حيث إنّ أشواك هذا الطريق، هي قذاراتٌ لا يتمكّن السالك -مع اتّصافه بإحداها- من الصعود إلى هذه المرقاة، وهي موانع الصلاة. لذلك، يلزم للسالك إلى الله في بداية الأمر رفع تلك الموانع أوّلاً، وهي مراتب:

1- تطهير الظاهر من المعاصي: أوّل مرتبة من مراتب القذارات هي تلوّث جوارح الإنسان وقواه الظاهريّة بلوث المعاصي، وتقذّرها بقذارة معصية وليّ النعم، التي ما دام الإنسان مبتلى بها فهو محروم من حصول القرب الإلهيّ. ولا يظنّنّ أحدٌ أنّه يمكن أن يرقى إلى مقام حقيقة الإنسانيّة من دون تطهير ظاهر الإنسان. والعكس هو ظنٌّ من غرور الشيطان ومكائده العظيمة؛ لأنّ الكدورات والظلمات القلبيّة تزداد بالمعاصي التي هي غلبة المادّة والشهوات على الروحانيّة. وما دام السالك لم يقوَ على المملكة الظاهرية فهو محروم من الفتوحات الباطنيّة، ولا ينفتح له طريق إلى السعادة، فلا بدّ له أن يُطهّر ظاهره من المعاصي بماء التوبة النصوح الطاهر الطهور.

* إشارة: الأصل في الإنسان الطهارة

إنّ جميع القوى الظاهرية والباطنية التي أعطانا الله إيّاها هي أمانات إلهيّة طاهرة ومطهّرة من جميع القذارات، بل كانت متنوّرة بنور الفطرة الإلهيّة وبعيدة عن ظلمة تصرّف إبليس وكدورته، لكنّها تلوّثت بحسب أحوال الدنيا وغرورها. فالسالك إلى الله إذا تمسّك بذيل عناية وليّ الله، وأبعدها عن أن تتناولها يد الشيطان، وردّ الأمانات الإلهيّة كما أخذها، فهو ما خان الأمانة حينئذٍ، وإنْ صدرت عنه خيانة (معصية) فهي مورد للغفران والعفو الإلهيّ.

2- تطهير النفس من الأخلاق الفاسدة:
وهي المرتبة الثانية من القذارات التي فسادها أكثر وعلاجها أصعب، فيجب تخلية الباطن من أرجاس الأخلاق الفاسدة؛ فما دام الخُلق الباطني للنفس فاسداً، والقذارات المعنوية محيطةً بها، فهي لا تليق بمقام القُدس وخلوة الأنس (حقيقة الصلاة)؛ لأنّ مبدأ فساد المملكة الظاهريّة للإنسان هو الأخلاق الفاسدة في باطنه، وتطهير الظاهر متوقّف على تطهير الباطن أيضاً، مضافاً إلى أنّ القذارات الباطنيّة موجبة للحرمان من السعادة ومنشأ لجهنّم الأخلاق التي هي -كما يقول "أهل المعرفة"-: "أشدّ حرّاً من جهنّم الأعمال". ويكون هذا التطهير بالعلم النافع والارتياض الشرعيّ.

3- تطهير القلب من تعلّقاته:
بعد ذلك يشتغل الإنسان بتطهير القلب الذي هو أمّ القرى، وبصلاحه تصلح مملكة الإنسان وبفساده تفسد. وقذارات عالم القلب هي مبدأ القذارات كلّها، وهي عبارة عن تعلّقه بغير الحقّ وتوجّهه إلى نفسه، وإلى العالم. أمّا منشؤها:
أ- حبّ الدنيا؛ رأس كلّ خطيئة.
ب- حبّ النفس؛ أمّ الأمراض.

وما دامت جذور هاتين المحبّتين في قلب السالك، لن يحصل فيه أثر من محبّة الله ولا يهتدي طريقاً إلى المقصد، ولن يكون سيره إلى الله، بل إلى النفس وإلى الدنيا وإلى الشيطان. وقال بعض العلماء: "إنّ أهمّ الأمور تطهير السرائر؛ إذ يبعد أنْ يكون المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الطهور نصف الإيمان) عمارة الظاهر بالتنظيف بإفاضة الماء وإنقائه وتخريب الباطن، وإبقائه مشحوناً بالأخباث والقذارات، هيهات هيهات".

* مراتب الطهارة
والطهارة لها أربع مراتب:
الأولى: تطهير الظاهر عن الإحداث وعن الأخباث والفضلات (الطهارة الشرعيّة).

الثانية: تطهير الجوارح عن الجرائم والآثام.

الثالثة: تطهير القلب عن الأخلاق المذمومة.

الرابعة: تطهير السرّ عمّا سوى الله تعالى، وهي طهارة الأنبياء (صلوات الله عليهم)، والصدّيقين.

والطهارة في كلّ مرتبة نصف العمل، فإنّ الغاية القصوى من عمل السرّ أن ينكشف له جلال الله تعالى وعظمته. ولن تحلّ معرفة الله تعالى في السرّ والقلب، ما لم يرتحل ما سوى الله تعالى عنه. ولذلك قال الله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾ (الأحزاب: 4).

وأمّا عمل القلب لتطهيره: عمارته بالأخلاق المحمودة والعقائد المشروعة، ولن يتّصف بها ما لم يُنظّف من العقائد الفاسدة والرذائل الممقوتة أوّلاً. ولن ينال العبد الطبقة العالية إلّا بعد أن يتجاوز الطبقة السافلة، فلا يصل إلى طهارة السرّ من الصفات المذمومة وعمارته بالخلق المحمود، مَن لم يفرغ من طهارة الجوارح عن المناهي، وعمارتها بالطاعات. وكلّما عزّ المطلوب وشرف، صعب مسلكه وطال طريقه وكثرت عقباته؛ فلا تظنّ أنّ هذا الأمر يُنال بالسهل.


(*) الآداب المعنويّة للصلاة، في مقدّمات الصلاة، الباب الأول: في التطهيرات والوضوء وآدابهما، الفصل الأول: في التطهيرات الثلاثة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع