سماحة السيد حسن نصر الله
في محفل الشهداء القادة نقول إنّ ما يجمع بين القادة
الشهداء كثير وكثير: من الإيمان، إلى الصدق والوفاء والإخلاص والتواضع والمحبة، إلى
الأحاسيس الإنسانية الراقية المرهفة والعمل الدؤوب والجهاد الدامي والترفع والصدق،
إلى محبة الناس والثبات الذي لا مثيل له. كل واحد من هؤلاء القادة بات بفعل الجهاد
والاستشهاد وبفعل التضحية ودم الشهادة رمزاً وعنواناً لمسيرتنا ومقاومتنا وتضحياتنا
وكل شهدائنا، ولكنه رمز لمرحلة محددة في مواجهة العدوان الصهيوني.
* الشيخ راغب المقاومة الشعبية
الشيخ راغب، في الجنوب، كان له موقف واضح: اقتلونا، اهدموا البيوت على رؤوسنا،
وافعلوا بنا ما شئتم، وأحرقوا مزارعنا، لن نعترف بكم، بل، لن نصافحكم لأن المصافحة
اعتراف. كان يرفض أنْ يصافح (الجنود الصهاينة)، وكان يرفض أن يبتسم في وجه الجنود
المحتلين، وكان يرفض أن يستسلم ولو هدموا بيته على رأسه، وهو الذي تحمّل عذاب السجن
والتحقيق لأيام طويلة وخرج أشد عزيمة وأقوى إرادة. الشيخ راغب، بجهاده وشهادته ودمه
الزكي، بات رمزاً لمرحلة استنهاض الناس وكسر الخوف، بعثَ الأمل، الإحساس بالقوة
والقدرة على التحرير والنصر وإطلاق المقاومة الشعبية إلى جانب المقاومة المسلحة،
مقاومة الاعتصام والتظاهر والحجارة والزيت المغلي.
* السيد عباس المقاومة في كل بيت
السيد عباس الموسوي، طوال سنوات في الجنوب كان يشرف على المقاومة ويشارك في التخطيط
ويحضر في غرفة العمليات، يدير ويساعد في الإدارة، يودّع المجاهدين ويستقبل العائدين
ويزفّ الشهداء. ومع ذلك، كالشيخ راغب، كان يحمل بحنجرته وصوته القوي نبض دماء
الشهداء وعرق المجاهدين وأنفاسهم الزكية التي كان يتحسسها عن قرب في كل يوم وليلة.
السيد عباس سعى لتكريس النهج المقاوم المسلّح المنظّم المركّز، وإعطائه الأولوية
المطلقة في ثقافة وفكر وحركة وأداء وخطط وبرامج وسلوك حزب الله، وجاء استشهاده
ليكون عنواناً للمرحلة التي يثمر فيها جهاده ودمه. نحن صنعنا الانتصار بدم السيد
عباس الذي تراكم مع دم الشيخ راغب. دم السيد عباس أدخل المقاومة إلى كل بيت، وإلى
كل قلب، وإلى كل وجدان، في لبنان وعلى امتداد العالمين العربي والإسلامي، وهذا
الدخول إلى كل قلب وإلى كل بيت مكّن المقاومة من أن تتطوّر كيفاً وكمّاً ونوعاً،
وهيّأ للمقاومة أوسع حاضنة شعبية لم تكن تحظى بها من قبل، فكان دمه المؤسس للمرحلة
الثالثة.
* الحاج رضوان: تطوير المقاومة
في المرحلة الثالثة والتي أستطيع أن أقول اليوم بفخر واعتزاز إنّ عنوانها ورمزها
القائد الشهيد الحاج عماد مغنية، هي المرحلة الجديدة التي كانت تركّز على تطوير عمل
المقاومة، وهي مرحلة الانتصارات والإنجازات وتوازن الرعب مع العدو. هذه المرحلة كان
الحاج عماد مغنية أبرز قادتها إلى جانب إخوانه ونظرائه وأحبّائه من القادة
المجاهدين ومن المجاهدين الأبطال في المقاومة. الحاج عماد، من خلال موقعه
الوارث لدماء الشهداء والوارث لدم السيد عباس والشيخ راغب، كان قائد الانتصارين بحق،
الانتصار في 25 أيّار عام 2000م والانتصار في حرب تموز 2006م. كان دائم الحضور لم
يختبئ في كهف، دائم الحضور في كل الساحات، يعمل في الليل والنهار، حضور في الجبهة
وفي الخطوط الأمامية لم يكن يظنّ الجنود الصهاينة، قبل التحرير في العام 2000م وبعد
التحرير، أنّ مجموعة الشباب التي تقف على هذه التلّة أو تلك التلّة وتخطّط لعملية
ما، أنّ واحداً من هؤلاء الشباب هو عماد مغنية. عماد مغنية، بخصوصياته وبشخصيته
وبروحه المتواضعة ونفسيّته المحبّبة وبعقله الألمعي، أنجز ما عليه ورحل، وترك هذه
الأمانة الكبيرة، وأصبح عنواناً ورمزاً لمرحلة متقدمة جداً من مراحل المقاومة
وحضورها وتطوّرها وقدرتها على مواجهة الهجوم والعدوان.
* معين القادة الشهداء
في ذكرى القادة الشهداء، نصرّ أنْ يبقى اسم عباس الموسوي - ليس فقط في الوجدان وفي
دائرة الذاكرة بل - قوياً في الحضور. نصرّ أنْ يبقى راغب حرب أستاذاً عالماً، مرشداً
ومعلماً، وأسوة، وقدوة. نستلهم تواضعه وأخلاقه وزهده ونَفَسَه وصبره وتضحياته
وثباته وموقفه. ونقول لهما معاً نحن نحفظ وصاياكم ونعلّمها لأبنائنا وأحفادنا
وأجيالنا الآتية. للسيد عباس نقول: نعم، يا سيّدنا، إن أبناءك وأحبّاءك وإخوانك
ورفاق دربك من رجال ونساء لبنان حفظوا المقاومة أيّما حفظ. في عام 2006م، تعرضت
لحرب عالمية حقيقية، وتميّزت هذه الحرب عن كل الحروب العربية السابقة بضراوتها،
وبقساوتها، وبعنفها، ووحشيتها، ولكنهم لم يتركوا ليكونوا وحدهم، حيث كان الله معهم
وما زال الله معهم وسيبقى الله معهم، وبالله انتصروا وصمدوا وثبتوا. يا سيدنا، شعبك
وأحباؤك حفظوا وصيتك بحفظهم للمقاومة، حفظوها برموش العيون وبفلذات الأكباد،
وبأطفالهم، ونسائهم، وأموالهم، وأرزاقهم، وبيوتهم، ودمائهم، ودموعهم. وبقيت
المقاومة وبقيت أنت عنواناً ورمزاً وسيداً وقائداً ومعلّماً وملهماً..
للشيخ
راغب نقول: نعم، يا شيخنا الجليل، الموقف سلاح، كثيرون يملكون في هذا العالم العربي
والإسلامي أسلحة أكثر مما نملك. لكن، المسألة هنا ليست مسألة السلاح والحديد ولا
تعلُّم فنون القتال، وإنما المسألة هي مسألة إرادة المقاومة، السلاح الحقيقي هو
الموقف الذي تتخذه والتي تثبت عليه والذي تضحّي من أجله، وليس الموقف الذي تضحّي
فيه من أجلك. من الشيخ راغب تعلّمنا أنّ موقف الرجال هو الموقف القائم على أساس
المعرفة والإرادة والعزم والثبات والإيمان الذي يستدعي التضحية. القائد الكبير
الحاج عماد مغنية سوف يبقى حاضراً فينا بعقله، وذكائه، ومدرسته، وإرادته، وعزمه،
وتخطيطه، وقيادته، وأخلاقه، وأخوّته، وأبوّته، وتقدّمه في حمل الراية. سوف يبقى
الحاج عماد مغنية عماداً للمقاومة في شهادته كما كان عماداً للمقاومة في حياته وفي
جهاده وفي عطائه, نحن - إخوانه وأحبّاءه - سنواصل دربه. مع مقاومة عماد مغنية، لن
تروا إلا النصر والعزة والكرامة والرؤوس المرفوعة إن شاء الله.
*مقتطفات (بتصرّف) من كلمات ألقاها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في ذكرى استشهاد السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب بتاريخ 16/2/2007، وفي مهرجان الوفاء للقادة الشهداء السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والحاج عماد مغنية بتاريخ 22/02/2008، وفي ذكرى أربعين قائد الانتصارين الشهيد عماد مغنية بتاريخ 24/03/2008.