ولاء إبراهيم حمود
إلى رائد شهداء المقاومة الإسلامية، الشهيد علي مرمر، الذي استشهد صائماً، نهار
الأربعاء في 21/حزيران/1982 وإخوانه شهداء تلك السنة من منطقة الليلكي محمد ويونس
الحسيني وزهير وأحمد إبراهيم، وسمير نور الدين في خلدة.
طال البعاد... ووجع الشوق
أوهانا... وطاب رغم هذا البعد، لقيانا وحدائق العيد، اتسعت لنجوانا ما أجمل العيد
لو جاء حزيرانا. ثمانيةً وعشرين مرةً، جاء العيد، فطراً وأضحى كنا صغاراً وكبرنا...
ثمانيةٌ وعشرين مرة... وافتنا عاشوراء، دمعاً وشهادةً وإباءً... ثمانيةً وعشرين مرة...
أحيينا عيد المعلم(1) ، بهدايانا المخبأة بعُلب الامتنان، والمزيّنة بشرائط التبجيل،
وغفر الله لشوقي لو قال أكثر. ثمانيةً وعشرين مرة، استقبلنا بالأزاهير عيد
أمهاتنا(2) ، وقوالب الحلوى عجنت وبحلاوة الحب الباقي إلى الأبد، وخبزت على حرارة
هذا الحب... وأَدْمَنّا السؤال: "ربي... سألتك باسمهن". ثمانيةً وعشرين مرة...
وقفنا على مفارق الذاكرة فمجيئكم لا شكَّ آت، وقلوبنا تنتظر تباشير الوصول...
وألوان انتظارنا ترسم ملامحكم... وأناملنا تحترق على أوار الشوق وهي تتلمّس وجوهكم
على صفحات القلب... وثياب عيدكم المخبأة في خزائن. وكنتم تعبرون، تختزنون جدار
المكان وستائر الزمان وتصلون وكان الوصال، دمعة عرفان أمام مراقدكم، وقبلات أُمٍّ
تهفو لملامسة جباهكم، في تفاصيل أحلامها، ولمسة شقيقةٍ، طال في أيامها اختراق
النهار على مجامر الانتظار. أمّا الآباء، فأحدهم مضى قبلكم، ربما ليستقبلكم قبلنا
على بوابات الجنان وآخر وافاكم، بعد أن ترمَّد فوق مواقد أحزانه زمن الانتظار...
فحمل إليكم كل المناديل التي لوّحت بها أيدينا في مراسم رحيلكم، وآثر أن يخبركم
جزاه الله عنا خير جزاء... عن امتداد أشواقنا التي قصّرت عمر أفراحنا..
ويا علي... يا أستاذنا الباقي إلى الأبد... إليك باقة الحروف هذه وقد حملتها إليك،
أنامل والدك الجليل، بعد أن جمع براعم محبتها من قلوب تلاميذك، ومن اقتدى بك، فمشى
على دربك أولى خطوات الطريق. ترى هل وصلتك دموع والدتك، تروي عطشك مع حلول موعد
الإفطار(3)؟ وشقيقتك هل وافتك رياحين لهفتها التي لا حدود لها. وإخوة الدرب، هل
أخبروك عن أفراح انتصاراتنا.. التي زرعت أولى بذورها في ميادين الجهاد يداك؟ وعن
السائرين بعدك في هذا المجال على خطاك؟ وأنا، شقيقة الروح من شقيقتك التي رفعت بعدك
الراية، هل وصلك من والدتي التي حثّت أشواقُها خطاها إليكم، ووالدُك الذي اشتاق ثم
اشتاق ثم... حزم أمتعته واستعجل الرحيل إليك.. عرفاني وامتناني ومعهم من الله...
سلامي عليك... وعليهم أجمعين، يا أنوار كل مآذن حزيران... الشهيدة...؟ يرجى ممن
يرغب من عوائل الشهداء الكرام أن يكتب عن شهيدهم "تسابيح شهادة". أن يتواصل مع
المجلَّة ليتم التعرف على أهم حدث مؤثر في حياته أو استشهاده يكون موضوعاً "للتسابيح"
ولكم جزيل الشكر ووافر الجزاء.
(1) كان الشهيد علي مرمر أستاذاً رسالياً لمادة العلوم الطبيعية، وكان في كل
تحرّكاته داعيةً إلى الله.
(2) الشهيد من مواليد 19/آذار/1957، لذلك وردت الإشارة إلى عيد الأم المرتبط
بوجداننا بقصيدة كنا نرددها (أنا وشقيقته) عن هذه المناسبة مطلعها (ربي سألتك
باسمهن أن تفرش الدنيا لهن).
(3) استشهد الشهيد صائماً وقد كان مدعواً لحوار مع صحفي أجنبي في بئر العبد، لكنه
آثر أداء مهمة جهادية قرب جدارٍ مواجه لكلية العلوم. وبينما كان يشرح المهمة لرفاقه
وهم يجلسون بشكل دائري، أصابته دونهم جميعاً الشظية.. ويروي من كان معه أنه استمر
في أداء الشهادات الثلاث وهو ينزف حتى لحظة التحاقه بالملأ الأعلى.. صائماً محتسباً
أجره عند الله.