مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الشهيد القائد علي أحمد مرمر

نسرين إدريس‏

 



اسم الأم: فاطمة قازان‏
محل وتاريخ الولادة: الطيبة 19-3-1975
الوضع العائلي: عازب‏
رقم السجل: 178
مكان وتاريخ الاستشهاد: الليلكي 21-7-1982

هي الشمسُ تحني هدبها انكساراً أمام ناظريه وهو يرفعُ رأسه صوب السماء وقد جال بروحه أرجاءها الممتدة في أفق لا نهاية له "إلهي إنني لم أحب هذه الدنيا منذ وعيت على بلائها وفي كل يوم أتمنى أن أرحل عنها، أتمنى أن أعيش في راحة تامة، لأعبدك".. ويسير في تلك الدروب الفقيرة، يمدّ يده الحانية ليخفف من وجع الاستضعاف، يمحو ببسمته الرقيقة شقاء الحياة، هناك في الليلكي، حيث ولد وترعرع حتى كبر وصار شاباً يُشار إليه بالبنان لتميزه في الوعي والحكمة والشجاعة..

هو مذ كان طفلاً أفضى على جمال خَلقه روعة خُلُق وذكاءً وقّاداً وضعاه في دائرة طموحاتٍ كبيرة ومستقبل زاهر حلم به والداه اللذان لم ينثنيا عن الاهتمام الشديد به، حتى بعد أن شبّ.. بماذا يمكن أن يحلم شابٌ حائز على إجازة في العلوم الطبيعية بدرجة امتياز، ومنحة لمتابعة دراسته في اختصاص الطب في تونس، إضافة إلى سعيٍ حثيث من أهله لتزويجه وبناءِ منزل مستقرٍ له؟! سؤال لم يطرحه علي يوماً على نفسه، لأنه ومنذ أن فهم الحياة اختار الطريق الذي يريد بقلب مطمئنٍ.. لم يخرج علي من دائرة التميز، أن يكون دوماً القلبَ النابض لأي تحركٍ قد يقوم به أهله، أو رفاقه، أو رفاق الدرب الذين أسس معهم الخلية الأولى للمقاومة الإسلامية.. أنهى علي مرمر خدمة العلم في الجيش اللبناني بخبرة في الأسلحة وكيفية القتال التي سرعان ما وضعها في خدمة رجال رأوا في الإعداد لمقاومة شعبية إبان خطرٍ محدق بالأراضي اللبنانية أول الثمانينات واجباً دينياً وقومياً ليكون هو المدرّب الأول لتلك الثلة التي اختارت طريق ذات الشوكة..

في زمن الخوف والهرب والتشرد، حاصرت الدبابات الإسرائيلية المناطق اللبنانية كافة، وانكفأت القوى لتسلّم زمام الأمور لقدرٍ أرادته إسرائيل بطائراتها وبوارجها، فكتبه مجاهدو حزب اللَّه بأجسادهم وبنادقهم الخفيفة.. في العام 1982 وبالتحديد في منطقة خلدة حيث حصلت المواجهة الشهيرة التي ضعضعت حلم إسرائيل، كان علي مرمر يقود مجموعة من المجاهدين بالتنسيق مع مجموعات مقاومة أبوا الانسحاب من ساحة المعركة إلا وقد اعتلوا الدبابة الأولى التي غنمها المقاومون وقادها الشهيد علي ليصل بها إلى الليلكي، ليكتب أعظم تصدٍّ في زمن التخاذل... تلك الشجاعة كانت نتاجاً أصيلاً لتربية عمد علي إلى إصلاح نفسه بها وقد عمدها بالتقوى، فكان يقضي لياليه باكياً شاكياً للَّه نفسه، متوسلاً إليه أن يرزقه شهادة مباركة في سبيله.. لم تختزل الحياة العسكرية التي تخلى علي لأجلها عن كل شي‏ء، من الحياة الاجتماعية التي استغلها في بث الوعي الديني وتثقيف الفتية والشباب سياسياً وعسكرياً واجتماعياً، مستشهداً خلال أحاديثه بالإمام الخميني العظيم الذي كان بالنسبة لعلي الشمس والماء والهواء، أما في الجامعة فكان الداعية الذي لم ينثنِ عن عقد حلقاتٍ دينية أفضت إلى التزام عددٍ كبير من الطلبة وخصوصاً التزام الفتيات بالحجاب.

وعلى الرغم من استياء والديه من حمله للسلاح خوفاً عليه، إلا أن علياً هيأ أجواء عائلته وبث روح الثورة في إخوته وعلّمهم وثقفهم. "ما حمل أحد سلاحاً وبقي" هذا ما قالته له والدته عندما بدأ يظهر السلاح كرفيق دائم له، فأجابها بهدوء "ومن قال أني أريد البقاء!" لقد سعى أن يكون رحيله متميزاً كجميع مراحل حياته، وهذا ما قاله لأحد جنود الميليشيات الذي أوقفه على أحد الحواجز، بعد أن أصبح ملاحقاً ومطلوباً لعدة جهات عميلة للقوات الإسرائيلية، وقد وضع الجندي المسدس على رأس علي غير أن معجزة إلهية أنقذته بعد أن تعطل المسدس مع الجندي، فابتسم علي قائلاً له: "نحن لا نموت هكذا"، في المرة الثانية نجا من محاولة اغتيال عندما عمد بعض المسلحين إلى توجيه رصاصاتهم صوبه فكان يقفز بين الرصاصات حتى وصل منطقة آمنة. عندما عقد العزيمة مع إخوانه المجاهدين على مواجهة العدو الإسرائيلي عام 1982 جمع الرجال والشبان في منطقة الليلكي، وتوجّه إليهم بكلماتٍ جعلتهم يستبسلون للدفاع عن حرمات اللَّه، وأخبرهم بأن من سيرافقه قد لا يعود، وانطلقوا إلى تلك المحاور التي احتضنت العديد من الشهداء بعد أن سطّروا ملحمة البطولة والصمود، وإذا كان قلبه قد تحمّل من المآسي ما يفتت الصخر، غير أن ما كسر ظهره استشهاد رفيق عمره المجاهد الشهيد محمد الحسيني، الذي لم يكن رفيق طفولة وشباب وكفاح فحسب بل أيضاً شاركه في إقامة المسرحيات الهادفة والكثير من الأنشطة الاجتماعية التي جعلت من أهل الليلكي قلباً ويداً واحدة.. أكثر ما كان يؤلم قلبه أن يرى جندياً إسرائيلياً يدوس أرض لبنان، ويعبر أنه سيبقى يقاتل ولن يرتاح له بال حتى تنتهي الغدة السرطانية من الوجود.. في إحدى زيارات بعض العلماء للإخوة المجاهدين في الليلكي حيث اجتمعوا بهم في المسجد الذي طالما حضن محرابه علياً فتىً وشاباً، سأل أحد العلماء عن علي بعد أن لفتته تلك الملامح المحمدية، وأخبرهم أنه رأى في المنام صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه ومعه بعض جنوده وكان هذا الشاب (أي علي) من أنصاره..

كان صدى التصديات البطولية لمجاهدي المقاومة الإسلامية قد وصل إلى أنحاء العالم الذي عجز عن فهم انكسار إسرائيل بكل عتادها العسكري أمام ثلة من رجال لا يملكون إلا الأسلحة الخفيفة، فجاء أحد الصحافيين الأجانب ليستطلع حقيقة الأجواء في الضاحية الجنوبية، وليشهد عن قرب ما لم يخطر على باله قط. فقد تعرّف على الشهيد علي مرمر الذي في كل ليلة كان يتسلل ناحية المعسكر الإسرائيلي في الجهة المقابلة ويعود دون أن تكشفه مناظيرهم المتطورة، وبينما كان علي يرشد الصحافي ويجري معه والإخوة المجاهدين مقابلة صحفية ألقى العدو الإسرائيلي قنبلة وسط التجمع ليسقط في تلك اللحظة علي مرمر شهيداً إثر شظية اختارته من بين الجميع، ولتكون على صغرها الهدية الكبرى التي طالما انتظرها لينال شهادةً أخرى بامتياز كُتبت حروفها بالدماء.. من كلماته: إلهي أعطني قوة حتى أعمل بها في الدنيا للإسلام.. إلهي أخاف أن أموت ولم أقدم إلا القليل لما يرضيك.. فيا ربي أمتني وأحيني ألف مرة، لأعود أعمل للإسلام ولمرضاتك، اللهم لا تمتني إلا قتلاً في سبيلك لأنال الشهادة ومرضاتك.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع