يوسف حسين سرور
أنتَ منْ(1) |
يا كِياناً فرَّ من قيدِ الزَّمَنْ |
يا ملاكاً ملَّ محدودَ البدنْ |
يا نقاءً لم يُصفَّدْ في كَفَنْ |
يا شموخاً للذُّرى |
ترتوي منهُ السماواتُ العُلى |
ما احْتواكَ الكونُ يا روحَ الدُّنى |
يا ارتقاءً صارَ مجداً للأُلى |
هدَّني الشوقُ إليكْ |
وانطوى قلبي أسيراً في يديْكْ |
هل تراني أرتقي عزّاً إليكْ |
أم منالُ العزِّ مقصورٌ عليكْ |
يا مناراً للدُّروبْ |
يا سراجاً ضاءَ في عُمقِ القلوبْ |
يا سِناناً(2) زانَ أفلاكَ الحروبْ |
يا معيناً عبَّ من نبعِ السَّماءْ |
يا علاءً صارَ فخراً للعلاءْ |
يا ضياءً شعَّ في عمقِ الفضاءْ |
يا سناءً في السَّما |
هفَّ نحوض الأفْقِ يرقى بالدِّما |
هلْ قضيتْ |
هلْ حواكَ اللحدُ في جِلْبابِ مَيْتْ |
هلْ طواكَ الدَّهرُ فيمنْ قد طوى |
هل رماكَ الكونُ في غورِ النَّوى |
هل نعاكَ الأفْقُ بدراً قدْ هوى |
ألفُ لا... |
قالها الباري تعالى للمَلا |
أنتَ حيٌّ في مدى الأعلى عَلا |
في سبيلِ اللهِ أثبتَّ الولا |
يا رُبوعَ الكونِ صيحي: قد أتى |
للجِنانِ الغُرِّ في حُسنٍ، فتى |
فاتَّقوا... لا تحسبوهُ ميِّتَا... |
إنَّهُ حيٌّ بفردوسِ الخلودْ |
يُرزقُ النَّعماءَ في عيشٍ رغيدْ |
عندَ ربِّ الكونِ يهوي للسُّجُودْ |
يحملُ الأشْلا ويرقى في صُعودْ |
إنَّهُ نجمٌ بأُفقِ القدسِ لأْلاءُ الجبينْ |
إنَّهُ فيضُ عطاءٍ في غِطاءٍ من حَنينْ |
إنَّه صرخَةُ حيفا... إنَّهُ صوتُ جِنينْ |
إنَّه دمعُ الثَّكالى... رجْعُ ترنيمِ الأنينْ |
إنَّه دُرَّةُ(3) مجدٍ، يعتلي هُدبَ العيونْ |
إنَّهُ فارسُ عودٍ(4)، تكتوي منهُ الحُصونْ |
سيِّدي |
لا تلُمني إنْ رجعتُ القَهْقرَى(5) |
قد عجزتُ اليومَ أنْ أرقى الذُّرى |
واعتليْتَ الأُفْقَ ملْكًا للورى |
لمْ أقُلْ |
إنَّني قد صغتُ شعرًا بالقلمْ |
عن شهيدٍ باتَ فخرًا للأُممْ |
بلْ نشيدًا في قراطيسِ الألمْ |
صغتهُ بالقلبِ أورادًا ودمْ |
ما ظننتُ الشِّعرَ يُجدي أو يفيدْ |
أو سلاحَ الدَّمعِ عن عجزٍ يذودْ |
فالمنادى لانهائيُّ الوجودْ |
إنَّهُ بينَ البرايا محضُ جودْ |
إنَّه يا كُلَّ دنيانَا الشهيدْ! |
(1) مهداة بمناسبة يوم الشهيد إلى كلّ شهيدٍ سقط في ساحة القتال مع العدو
الإسرائيلي.
(2) السنان: نصلُ الرمح.
(3) المقصود الشهيد محمد الدرَّة.
(4) المقصود الشهيد فارس عودة.
(5) القهْقرى: الرجوع إلى الوراء.