"أنت تسيء إليّ وأنا أجازيك بالإساءة، فما الفرق بيننا
إذاً"؟! تذكرت هذا القول وأنا أستمع إلى صديقة جاءت إلي بسؤال ملحّ:"هل يلام
الإنسان على رد الإساءة إلى أصحابها؟"، أردَفَتْه بشكوى مزمنة ضاقت ذرعاً بأحوال
الناس وتصرفاتهم ومعاملتهم بدءاً بالأقارب، مروراً بالرفاق والأصحاب والأصدقاء،
وصولاً إلى المعارف والزملاء...
فذاك الذي تبادر إليه دائماً بالمعروف فلا تلقى عنده عرفاناً بالجميل أو خجلاً منه.
وذاك الذي يحيّرك بموقفه المتقلب كالعملة ذات الوجهين ، فيوم معك ويوم عليك.
وذاك الذي يجهدك بمراعاة أحاسيسه ومشاعره، ولا يحسب لشعورك أي حساب.
وذاك الذي يغلق في وجهك أبواب المودة ويقطع أواصر القربى من غير سبب يذكر.
وذاك الذي تفعل كل ما بوسعك لقضاء حاجاته، فتراه ينساك عند أول حاجة لك عنده.
وذاك الذي يقتنص منك المنافع والفوائد، ولا يكلف نفسه عناء الشكر أو التقدير.
وذاك الذي يرهن حسن معاملته بمقدار ووزن حالتك المادية ووضعك الاجتماعي.
وذاك الذي لا يستحي من كشف اللثام عما يضمره فيلقاك بوجه:
"إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم".
وذاك الذي يجبرك على انتقاء الألفاظ والمواقف بحقه، فتصير بين يديه وكأنك تسير في
حقل من الألغام.
وذاك الذي تغفر له الكثير من الزلاّت والأخطاء، فيترصّد لك في المفارق راسماً
لأخطائك حدود الجزاء.
وذاك.. وذاك.. وذاك...
سلسلة من الحكايا والأخبار التي لا تنتهي على لسان صديقتي وغيرها من الناس عن
الناس وأفعالهم التي تجرح رقة القلب الوديع ورهافة النفس الحساسة. ورداً على سؤالها
الملحّ لم أجد أسرع من القول الذي ذكرته جواباً شافياً لحيرتها: "أنت تسيء إلي وأنا
أجازيك بالإساءة، فما الفرق بيننا إذاً"؟!