تحقيق: فاطمة الجوهري غندورة
"تُشنّ علينا حالياً حرب ناعمة مدروسة إلى أبعد الحدود،
مبنيّة على الكذب، والتحريف، والإشاعة، والإخضاع للرقابة، والحَجب. فالهدف في هذه
الحرب هو الشيء الموجود في قلوبكم، وفي أذهانكم، وعقولكم؛ أي إرادتكم.. لذلك لا بدّ
من العمل وبذل الجهود لإحباط مخطّط العدو".
الإمام الخامنئيّ دام ظله
* الثورة الرقميّة
يواجه عالمنا المعاصر تحدّياتٍ كبيرةً إزاء ما يشهده من ثورةٍ رقميّةٍ هائلة، كسرت
حواجز الزمان والمكان، فحوّلته إلى قريةٍ كونيّةٍ صغيرة، مكّنت الإنسان عبرها من
إرسال المعلومات واستقبالها بسهولة، دون أيّ عوائق، بعد أن أزالت الحواجز الجغرافية
بين الدول، وجعلتها منفتحةً بعضها على بعض، إلى أن بات هناك ما يُعرف بالثقافة
الرقميّة.
* سيفٌ ذو حدّين
أصبحت الثقافة الرقميّة واقعاً مفروضاً، وعاملاً أساسياً في تشكيل الوعي الإنساني،
والتأثير على سلوك الفرد والجماعات، فأضحت سيفاً ذا حدّين؛ إذ إنّها تشكّل تارةً
فرصةً جديدةً لتوسيع المدارك، وتطوير الأفكار، وتحقيق الذات، وتهدّد تارةً أخرى وعي
الفرد وأفكاره، وكذلك قيمه وأخلاقه، لتحلّ مكانها قيمٌ جديدةٌ، قد لا تتناسب مع
محيطه وتطلعاته.
* الحرب الناعمة
نتيجةً لذلك، ظهر مفهوم جديد يسمّى بالحرب الناعمة، هذه الحرب التي اتّخذت من
الثورة الرقميّة أحد أهم أسلحتها القوية والفتّاكة، وهي أقوى بكثير من الدبّابات،
وجيوش العالم مجتمعةً؛ لأنّها تهدّد ثقافات الشعوب، وقيمها، ومبادئها، وأفكارها.
فالقوة الناعمة هي قوّةٌ يحصل أصحابها المخطّطون لها على ما يريدون بقوّة الأفكار،
والأدب، والمسرح، والإعلانات، والمواقع الإلكترونية، والبرامج الفنية، وهي القضية
المركزية التي أثارها الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله في الكثير من محاضراته،
حيث قال: "علينا أن نوظّف الأدب، والفن، ووسائل التبليغ، والوسائل الجديدة،
ونستفيد من التقنيات الموجودة في العالم".
* الإرث الإسلامي
تلبيةً لنداء السيّد الخامنئيّ دام ظله، ولمواجهة هذا الخطر المحدق بنا، كان لا بدّ
من الوقوف في وجه هذه الثورة، ومنعها من التغلغل أكثر وأكثر في صميم ووجدان الشعوب
والأمم، من خلال اعتماد طرقٍ تُحاكي التطور الحاصل والانفتاح العالمي، ناهيك عن
ضرورة غزو شبكات التواصل الاجتماعي، من أجل احتلال دورٍ فعّالٍ مجابهٍ لما يوجّهه
لنا العدو لكيِّ أفكارنا ووعينا، وذلك كلّه لا يتحقق إلّا بالعودة إلى إرثنا
الإسلاميّ، وما تركه لنا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمّة عليهم السلام،
والعلماء، في قوالب سمعيّة وبصريّة، تسهّل على أبناء هذا الجيل الحصول على المعارف
الإسلاميّة كافّة، فكان المركز الإنتاجيّ للمعارف، أو ما يُعرف بـ"مركز المعارف
للإنتاج الفني".
* لماذا هذا المركز؟
استهلّ مدير مركز المعارف للإنتاج الفني، حسين عبد الله، حديثه معنا قائلاً: "لدى
دخولك إلى عوالم هذا المركز، ستتفتّح أمامك عوالم جديدة ومتطوّرة من الدراسة
الفعّالة، حيث نطرح القضايا التعليمية في قوالبَ واقعيّة، ونقدّم لها علاجاتٍ
حقيقيةً وأصيلةً، من صلب تراثنا الدينيّ والثقافيّ. فهي تمتاز بأسلوبٍ تفاعليّ شيّق،
يعتمد على إشراك المتعلّم، مضافاً إلى أنّها تشجّع التفاعل مع الأنشطة التدريبيّة،
وتخرج الأفكار من حيّز النظرية إلى الواقع التطبيقيّ المعاش، وتضع كلّاً منّا داخل
عمليّة التعلّم المباشر؛ لأنّها تُحاكي سلوكنا اليوميّ في الحياة".
* أهدافه
يأتي في مقدّمة أهداف مركز المعارف للإنتاج الفنيّ، تلبية احتياجات الجمعية في مجال
الإصدارات الفنيّة والرقميّة بجودةٍ عالية، مضافاً إلى إغناء المكتبة الإسلاميّة
بموادَّ سمعيّة وبصريّة متنوّعة، ودعم الشبكة العنكبوتيّة بتطبيقات الهواتف الذكيّة.
فالمهام متنوعة، من إعدادٍ، وتنفيذٍ، وإنتاجٍ، ودعم.. بهدف تقوية حضور الفكر
المحمديّ الأصيل، وثقافة الولاية، والمساهمة في تلبية الاحتياجات الثقافية والدينية
عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وهناك العديد من الإنتاجات، نذكر منها على سبيل المثال: سلسلة المعلّم الفعّال،
وسلسلة المعارف الإسلاميّة، وسلسلة الفقه المصوّر، والتعرّف إلى القادة...
* وسائل التواصل الاجتماعيّ
أظهر الحاج حسين عبد الله، مدير المركز، الأهمية الخاصّة التي أعطاها المركز لوسائل
التواصل الاجتماعيّ؛ لأنّها فرصة توفّر منصّة تبليغٍ واسعة، وليس من الحكمة تركها
أو الإعراض عنها، فتمّ تركيز الجهود على إنتاج فلاشات لقيمٍ ومفاهيم تربوية،
وثقافية، واجتماعية، وإنتاج مقاطع إنفوغرافكس بسيطة، ومقاطع تعليميّة وتمثيليّة
مصوّرة، وتصوير مقابلات لشخصيات علمائية محبّبة، ذات شعبية بين الشباب، مع مراعاة
الخصوصية الفنيّة والتقنيّة للهواتف الذكية.
* نقلة نوعيّة في الإصدارات السمعية
وتابع مدير مركز المعارف للإنتاج الفنيّ، مبيّناً أنّ المركز قد أولى أهميةً كبرى
لعالم التبليغ الدينيّ والثقافيّ. وبما أنّ المطالعة هي أحد أهم الأبواب نحو هذا
العالم، فقد عمل المركز على تسجيل مجموعةٍ من الكتب ذات القيم والمفاهيم الدينيّة،
والأخلاقيّة، والثقافيّة المميّزة، بصوتٍ عذبٍ، وبمؤثراتٍ فنيةٍ تجذب المستمع،
لتكون رفيقة دربه في سيارته، أو عمله، أو بيته.
كما عمل المركز على إنتاج مجموعةٍ كبيرةٍ من المحاضرات الصوتيّة، ذات العناوين
الدينيّة، والثقافيّة، والاجتماعيّة المتنوّعة لنخبةٍ من القادة والعلماء، وأهمها
محاضرات الإمام الخميني قدس سره والسيّد القائد الخامنئيّ دام ظله والأمين العام
السيّد حسن نصر الله (حفظه الله). ولإغناء المكتبة السمعيّة أكثر، خاض المركز غمار
التفقّه في الدين، والالتزام بالأحكام الشرعيّة، والتحلّي بالقيم الإسلاميّة، فأنتج
سلسلة من العناوين التي تضمنت أسئلة وأجوبة لنخبة من السادة العلماء، ولعلّ أهمها
الفقه وتهذيب النفس، الفقه والأحكام الشرعية، الصدق، أحكام الصوم..
وأضاف مدير المركز قائلاً: "حتى في عالم الأطفال، طرحنا مجموعةً من التساؤلات
العقائدية التي عرضناها على أهل الاختصاص والخبرة، للإجابة عن أسئلتهم بطريقةٍ
محبّبةٍ وسهلة، وبلغةٍ مبسّطةٍ تناسب أعمارهم".
* جديدنا
وأضاف الحاج حسين: "إنّ المركز يعمل أيضاً على تصوير كلّ الدروس الثقافيّة للمراحل
والمستويات الثقافيّة كافّة، حيث تم إنتاج أكثر من 800 حلقة، مدّة كلّ حلقة 15
دقيقة، بطريقة الإنفوغرافكس، مع شروحاتٍ وصور إيضاحيّة وأحاديث لعرضها على موقع
الشبكة، ليتمكّن أيّ فرد من الدراسة، وتقديم الامتحانات من خلال مشاهدة هذه الدروس
المصوّرة. كما يعمل المركز على إنتاج أفلام تعليمية مصوّرة لأحكام الصوم، وفلاشات
فقهية تعليميّة، كصلاة الآيات، ركعة الاحتياط، سجود السهو...".
* ختامها مسك
في الختام، أقف على رأي خاص من أحد روّاد المركز، حيث يقول محمد: "سهّلت عليّ هذه
الإنتاجات، وخاصّةً الكتب المسجّلة، المطالعة، وحتّى البحث وحلّ الإشكاليات التي
أقع فيها. فهي سهلة الحمل، وخفيفة الوزن، ولا تأخذ مكاناً. هذا مضافاً إلى أنّها
مسجّلة بأصوات جميلة تؤنسني. فبدلاً من أن أقضي أوقاتي بالاستماع إلى أشياء لا قيمة
لها، أجد نفسي أقتحم عوالم المعرفة والعلم".
ويوجّه محمد شكراً خاصّاً لكلّ من يعمل في إنتاج وإبداع هذه الإصدارات، متمنّياً
المزيد من النجاح والتطوّر.
* تميّز ونجاح
"المعارف صمّام أمان وهي بمثابة ختم". هذا ما نقله مدير المعارض، الحاج عصام، نقلاً
عن روّاده، وأضاف: إصدار "لأنّك ريحانة"، إصدار مميّز، وقد لاقى استحساناً وطلباً؛
لأنّه مترجم إلى أكثر من لغة، الإنكليزيّة والفرنسيّة، حتى إنّه لاقى إعجاب
التلفزيون الإيراني، الذي أكّد ضرورة عرضه على شاشته؛ لما يحمله من تميّزٍ ونجاح.
وحاز "أحكام المدير العامل" عام 2011م، بمعرض ديجيتال الذي أُقيم في إيران، الجائزة
الأولى على مستوى القسم الدولي للإنتاجات الإلكترونية من ناحية الشكل والمضمون.
ومع مزيدٍ من العطاء، والتطوّر، والتألّق.. كلّ الشكر لمركز المعارف للإنتاج
الفنيّ.