صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

أمراء الجنة:الشهيد حسن محمود سعيّد

نسرين إدريس قازان

اسم الأم: كمالا سعيد
محل وتاريخ الولادة: بعلبك 6/8/1951
الوضع العائلي: متأهل وله 6 أولاد
رقم السجل: 567
مكان وتاريخ الاستشهاد: استشهد أثر اصابته بالمرض أثناء عمله، 24/4/2006

هو رجل كتب بالحبر السري صفحات من تاريخ جهادٍ لم يفصح عنها الزمن. وإن كان ثمّة رجال يُعرفون بعد رحيلهم، فإنّ الحاج "حسناً" أخذ معه كل ما حرص على أن لا يعرف عنه في الدنيا إلا القليل، فمؤونة النجاح: الإخلاص والسرية.

مجاهدٌ صامت أصرّ على كتمان جهاده، كمن يخفي صدقة اليمنى عن اليسرى، ورحّالةٌ بلا مكان، ومن كان مثله تصير الأمكنة والأزمنة رهن يديه.

*المجاهد الصغير

لم يقتصر جهاد هذا الرجل على العمل المقاوم، بل كان مجاهداً أمام عائلته التي تجرّعت معه مرّ الصبر، وكان يكفيها من الحياة انتظاره ليعود من عمله، فيأنس الأولاد في حضن أبيهم، والأولاد مهما كبروا، يظلّون أطفالاً صغاراً يرتعون في دلالٍ بين يدي الأب، وربما لأنه عاشَ يتيماً محروماً من كنف الوالد، عوّض أولاده بكل ما في قلبه من عاطفة جياشة... فابن بلدة بعلبك، توفي والده وهو في الثالثة من عمره. وسرعان ما أمسكت أمه بيده، وأيدي إخوته، تاركة المنزل لتستقرّ في منطقة برج حمود، حيث عملت بكدٍّ لأجل إعالة أولادها، فقضى حسن عمره متقلباً بين مشهد تعبها وكدّها والمدرسة التي تميّز على مقاعد دراستها. كان يعلم أن تفوّقه يفرح قلب أمه. وما إن بلغ الثالثة عشرة من عمره حتى أوجد لنفسه عملاً يتناسب ودوام دراسته، وذلك للتخفيف من عبء مصاريفه عليها...

*في كنف عباءة السيّد موسى

ولكنّ أيدي الحرب والفتنة لم تترك العائلة في هناء، فقد رافقت شبابه، ووجد نفسه في بيئة تتناحرُ بصمتٍ، والقوي فيها يستقوي على الضعيف، فراح يبحثُ عن ملاذٍ يجدُ فيه الخلاص، وعن هوية وانتماءٍ، فلم يطل بحثه كثيراً، إذ سرعان ما انضوى تحت عباءة السيد موسى الصدر، الذي حاول جهده أن يُسمع الناس صوت العقل في زمن الجاهلية.

وعرف حسن، منذ تلك اللحظات، طريقه. عرف أنّ السلاح يجب أن يكون رفيق الرجال في سبيل إحقاق الحق، فأخذ عهداً على نفسه أن يقدّم روحه وكل ما يملك في سبيل هذا النهج، لأنه أبصر بقلبه الطاهر وسريرته الصافية أنّ من يريد لقاء الله عزّ وجل فإنّما يلقاه بزادٍ من التقوى... لذا، وبعد عمر مديد من الجهاد، حينما رقد في المستشفى بعد تعرّضه لحادثة في عمله الجهادي، كانت زوجته تنظر إليه وهو يتنفس الوجع شاكراً حامداً محتسباً مهيئاً نفسه لملاقاة ربه، يحلم أن يترك الحياة خالي الوفاض إلا من مواقف تفتح له أبواب الجنة، وسجدة صلاة احتفظ بها دائماً كانت هدية من خادم الإمام الخميني قدس سره...

*بشرى الانتصارات الآتية

كان حسن من الجيل الذي عانى لاستراق أخبار الثورة الإسلامية في إيران وتحرّكات الإمام الخميني  قدس سره الشريف، فكان يتحير كيف يلتقطُ معلومة من هنا وخبر من هناك وفي وقت بدأ جيل من الشباب المؤمن يتفتّح وعيه على نهج ولاية الفقيه التي كانت ملاذاً لكلّ من أراد الحق. وكم كان يسعد قلب حسن وهو يسمعُ عن إنجازات الشعب الصابر الذي هزم الشاه، وتلك كانت البشرى بالانتصارات والفتوحات التالية... ولكن قدر الأفئدة أن يقتسم الحزن الفرح فما إن شارفت وردة انتصار الثورة في ايران على التفتّح، حتى غُيّب السيد موسى الصدر في ليبيا، وغيبت معه كل نداءات التعقل، وسرعان ما بدأت أنياب الحرب تنهشُ بالبلاد.

وعاد حسن إلى مسقط رأسه ليستقر بعد أن تزوج من قريبة له، في ظلّ مواكبته لتأسيس أولى خلايا المقاومة الإسلامية...

*الأهم هو الجهاد

"العمل"، هذا ما اختصر به حسن عمله منذ التحاقه في عام 1982 بصفوف المقاومة الإسلامية. ولأن شخصيّته تميزت بالذكاء والفطنة، والقدرة على مغالبة النفس، تمّ اختياره لأكثر الأعمال دقةً وسريّةً، وقد حصّن نفسه بحب الله، وعاش أيامهُ وقلبه منقطع إليه تعالى، لم يهتم يوماً أين يكون وماذا يعمل، فالأهمّ عنده الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ...

هذا الجهاد أبعده في كثير من الأحيان عن عائلته، ولكن العودة ولقاءه بهم كان يشعره بسعادة عارمة وهو يرى أطفاله الستة يكبرون. فعلى الرغم من البعد كان حسن يتابع شؤونهم ويواكب تربيتهم تربية إسلامية أصيلة محاولاً أن يكون قدر المستطاع أميناً معهم أمام الله، وحتى إذا ما وصلوا إلى عمر الالتحاق بالمقاومة كانوا على قدر هذه المسؤولية.

وإن كان الجهاد له أمكنته، فإن بيت الأم يبقى المقصد، فتراه عائداً مشتاقاً إلى رائحة الجنة تفوح من بين جنباتها، ويلوذ بها رغم كونه قد صار أباً عنده أولاد. كان يهتم لأحوال إخوته وأخواته ويسأل عنهم، ولمّا توفيت والدته اعتصر الألم فؤاده، وافتقد لدعواتها التي كلّلت أيامه بالرضا.

*تنويهات من الأمين العام

عُرف حسن في عمله المقاوم بالشجاعة والصبر. وفي إحدى الدورات التي كان مشاركاً بها، رمى المدرّب قنبلة، فإذ بحسن يرمي بنفسه فوقها ليحمي رفاقه. ولكنّ المدرب الذي كان قد عطّل القنبلة، وقف معجباً بشجاعته وبما تختزنه روحه من إيثار وتضحية. ولهذا كانت مواقفه في حياته الجهادية قد أفضتْ إلى تنويهات مباشرة من سماحة الأمين العام لحزب الله.

حسن، صاحب القلب الهادئ والروح الصافية، كما تميّز بحسّه الأمني والعسكري العالي، تميّز بحدسٍ غريب، وما يشعر قلبه به يتحقق، حتى أنه في أحد الأيام عندما استيقظ صباحاً أخبر زوجته وضيوفاً في منزلهم عن رؤيا فسّرها الحاضرون، أن الطيران الإسرائيلي قد يقصف سيّار الدرك في بعلبك ويسقط شهداء، وتفاجأ الجميع أن ذلك قد حصل بالفعل في اليوم نفسه، وسقط العديد من الشهداء.

*آن أوانُ الرحيل

المقاومة كانت همّ حسن الدائم وأداء التكليف شغله الشاغل، لم يأبه يوماً بصقيع أو حرّ شديد.. لم يهتم إن كان جسده يتنفس الموت، بل كان القيام بعمله في عين الله وصاحب الزمان  عجل الله تعالى فرجه الشريف هو ما حمل همه. وَلَكَمْ تحسّر الرجل الذي تجاوز الخمسين من عمر قضاه في محاور الجهاد المختلفة، أن يرى معظم رفاق دربه قد رحلوا شهداء، وأن يرتفع شهداء شبابٌ بعمر أبنائه، فيما هو لا يزال يحجُّ بجهاده في الأماكن، ويلاحقُ الشهادة كفراشةٍ لا تنثني عن الالتصاق بالنار...

وآن أوان الرحيل... كان سعيداً بالمرض الذي ضخّ السموم في دمه... مرتاحاً لذلك الألم... مطمئناً أن كل ما يشعر به هو تباشير الرحيل الذي تاق إليه قلبه.. لم تعرف زوجته لماذا فجأة بدأ يوصيها بالأولاد وبنفسها، مذكراً إياها بالكثير من المبادئ التي عليها المحافظة عليها. وقد غاب عن ذهنها أن قلب الرجل قد وشى له بقرب التوقف. وكما عاش مجاهداً صامتاً، رحل عن هذه الدنيا مجاهداً صامتاً. وما هذه السطور، إلا بعض وفاء لرجلٍ ما عرف جهاده إلا قلة من الناس في هذه الدنيا.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع