كم كانت صدمتها كبيرة، حين وجدت بعضاً من محادثاتها مع
صديقها الفايسبوكي "جبران" منشورة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي! أحاديث عامّة
عن الأحوال والطقس، وقليل من السياسة والثقافة، ليس فيها ما يثير أيّ شبهة أو يسبّب
أيّ إحراج، ولكنها تمنّت للحظات لو تنشقّ الأرض وتبتلعها!
بيد مرتجفة تصفّحت الرسائل الخاصّة، وعيناها تسابقان الحروف، لتتأكّد أنّها لم
تتفوَّه بأيّ فكرة يمكن أن تورطها في مشكلة. وفغرت فاهها حين وجدت أنّها أثناء
حديثها الخاصّ معه منذ أسبوع، أخبرته أنّها ستخرج لتسهر ليلة السبت في منزل خالتها،
وتبادلا أطراف الحديث عن الملل من الزيارات الاجتماعيّة، وما تتطلّبه من لياقات
ومجاملات سخيفة. ضربت كفّاً بكفّ، وهي تحبس دموعها، فقد اكتشفت بعد ثوان، أنّها
تحدّثت مع المدعوّ "جبران" أكثر من اللازم، وأنّها كثيرة الثرثرة مع الغرباء!
أرسلت رسالة له، وسألته بغضب: "ما الهدف من نشرك هذه الرسائل؟". مرّت دقائق طويلة
قبل أن يردّ عليها "جبران" مستغرباً:
- "ولماذا تشعرين بالحرج؟ ألم نكن نتحدّث بالعموميّات؟".
- "أجل.. ولكنها عموميّات خاصّة، ومن المعيب أن تنشرها".
- "لم أعتقد أنّك تخبرينني أسرارك، كنت أعتقد أنّني مجرد صديق عابر".
- "صحيح، ولكن هل تنشر جميع المحادثات العابرة؟".
- "ليس جميعها".
- "إذاً، أزلِ المنشور إذا سمحت؛ لأنّه أحرجني".
- "أحرجكِ مجرّد حديث عابر مع صديق؟".
- "لستَ صديقاً! أنا لا أعرفك!".
- "إذاً لماذا شاركتني بعض آرائكِ في المجتمع والقضايا الإنسانيّة العامّة؟ لماذا
أعرف أنّك تشتاقين إلى المرحوم جدّك، وأنّكِ خرجتِ للتسوّق مع جارتكِ منذ يومين،
وأنّك تحبين قراءة القصص الخياليّة؟".
سرحتْ لثوانٍ في تلك التساؤلات، ولم تجد إجابة لها.. بالفعل هي أخبرته تلك الأمورٍ؛
لأنّها ليست أسراراً وهي مجرّد عموميّات..
إذاً، لماذا أثار نشرُها حفيظتَها وغضبَها إلى هذا الحدّ!؟
لم تُجبه، جالت على بعض محادثاتها الأخرى مع عدد من أصدقائها الفايسبوكيّين،
وبدأت تتخيّل شعورها في حال قرّروا جميعهم نشرها. أحسّت بتفاهتها فهي تحدّثت مع
"منى" عن مشاكلها مع أخيها الأصغر، ومع "دموع الليل" عن واقع الجامعة والتخصّص
وانتقادها الأساتذة، ومع "ريان" عن رأيها في الزواج المبكر. لماذا تتحدّث مع كلّ
هؤلاء وهي لا تعرفهم؟
ظهرت رسالة من "جبران": "إذا أحرجكِ نشر محادثاتنا الخاصّة، سأزيلها؛ فأنا أحترم
خصوصيّات أصدقائي، ويمكننا التفاوض حول ما تخصّيني به دون سواي ليكون خاصّاً
بيننا". ووضع وجهاً مبتسماً بغرور.
- "لست صديقتك ولن أكون".
مباشرةً قامت بإلغاء خاصيّة المحادثة عبر الفايسبوك، وخبّأت رأسها بين يديها
وتمنّت لو كان كل ذلك كابوساً، ولكنّها سمعت والدتها تناديها: "تعالي بسرعة، خالتك
على الهاتف تريد محادثتك، ويبدو أنّها غاضبة!".
شمال لبنان
نور البتول
2018-09-04 18:52:38
جميلة و مفيدة وفيها نصحية