مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مقابلة: الطفولة بين مفهوم الشهادة وصدمة العدوان


حوار: ولاء إبراهيم حمود


إنَّها الدكتورة زينب عادل الأحمر(*)... العائدة إلينا، من لندن، بدراستين قيِّمتين في علم نفس الطفل والمراهق والأسرة... الأولى عن ثقة الأطفال العرب بأنفسهم في لندن بمواجهة "الميديا العالمية" بعد أحداث الحادي عشر من أيلول... والثانية التأثيرات النفسيّة لعدوان تموز 2006 في الأطفال اللبنانيين، وحولها دارت الأسئلة، ومنها جاءت الإجابات لتتوّج الطفل اللبناني وشقيقه الفلسطيني... في هذا الزمن المحترق بأتون الحقد الصهيوني والمضاء بأنوار أطفالنا النوارس... كأشجع طفلين بطلين.

* أطفالنا ترى الموت بنظرة أخرى
س- كيف ظهرت لك ملامح هذا "المشاغب" اللبناني في ظلِّ عدوان تموز 2006 وبعده من خلال دراستك لهذا الموضوع؟
ج- لقد أجريت دراستي بعد العدوان بسنتين لا أثناءه، وقد بدا لي هذا "المشاغب" متفائلاً، غير كئيب.

س- أهي اللامبالاة أم الجهل بخطورة ما جرى أم شيء آخر؟
ج- بل أشياء أخرى، فالطفل اللبناني يمتلك بناءاً نفسياً مختلفاً عن سواه. هو يحب السياسة باكراً، من أسرته. ومن الثابت نفسياً أنَّ من ينتمي سياسياً أو عقائدياً ودينياً يمتلك تفاؤلاً أكبر بغده، لأنَّه يرى الموت بنظرة أُخرى تماماً كمن ينتمي لحزب الله في لبنان أو للحركات الجهادية في فلسطين، وهو أقدر على فهم شخصيَّة الشهيد من الطفل الذي ينتمي إلى بلاد لا تعرف معنى الشهادة ولا شهداء لديها، وبالتالي، مشاكلها لا علاقة لها بالفقر أو بالحروب التي تعتبر صدمتها أقوى أنواع الصدمات. الرعاية النفسية لابن الشهيد

س- في ظلِّ هذه الإيجابيَّة، كيف تبدو لكِ ملامح ابن الشهيد النفسية تحت وطأة صدمة فَقْده لأبيه؟
ج- في الواقع، لاحظت أنَّ التكافل الاجتماعي والمُبالَغ فيه، حَوْل ابن الشهيد، يشكّل صدمة لسواه من الأطفال، حيث يتمنّى الكثيرون من رفاق صفّه أن يكونوا أبناء شهداء، غيرةً من هذا الذي يتقدَّم الصف في مقعده وعلاماته وهداياه... طبعاً، لقد أوصى الله باليتيم، فما بالنا بابن من ضحّى بروحه فداءً لوطنه؟! ولكن، علينا الاعتدال في تعاطينا معه حرصاً على الأطفال الآخرين المطلوب منّا رعايتهم.

س- هل تجدين لهذا التعامل سلبيَّات نفسية على ابن الشهيد نفسه، باعتباره أولاً وأخيراً، أمانة الله في أعناقنا بعد أبيه الشهيد؟
ج- "تتدارك موضحة" أنا لا أدعو إلى التخلّي عن ابن الشهيد إطلاقاً، علينا جميعاً واجبٌ مقدّسٌ في رعايته، مادياً ومعنوياً ونفسياً، فالدولة في الخارج تتكفّل الطفل الفقير بين أبويه، ولكنّني أدعو إلى علاقةٍ متوازنةٍ معه، كي لا تنمو هذه العلاقة على حساب حاضر الآخرين ومستقبله هو، بل وأدعو إلى تكريمه في الأعياد التي صنعتها لنا دماء أبيه الشهيد؛ لأنَّها أعياده هو قبل أيِّ أحد سواه وتكريمه هنا لا يُسيء للآخرين...

س- وماذا عن مستقبله النفسيّ في ظلِّ هذا التعاطي الذي يبدو لكِ مبالغاً فيه عند بعض الناس، أي سلبيات سيعانيها غداً؟
ج- لا يجب علينا تذكيره كلَّ يوم بصدمة استشهاد أبيه، لأنَّنا بهذه المبالغة الهادفة إلى تعويضه، نوجد له صدمةً ربما لم يكن يدركها حسب عمره، ونُفقده القدرة على مواجهة صعوبات الحياة، بسبب الدلع الزائد الذي منحناه إيّاه. بل وسينشأ أنانياً لشعوره بأنَّه محورٌ وحيد في مجتمعه، وهنا أشير إلى خطورة هذا الأمر على مستقبل الشهادة، التي تحتاج دائماً رجالاً أسوياء أقوياء.

س- حسناً هل من وصفةٍ "سحرية"، توازن بين شعورنا بوجوب قضاء دَيْنٍ الشهيد في ذمَّتنا والرعاية النفسية لابنه؟
ج- كي نربي "الشهيد" ثانيةً، في شخص ابنه، لا يجب أن نبعده عن بقية أهله، أو أن نحاصره باهتمام يعزله عن رفاقه وبيئته الطبيعية، فالدِّراسات النفسية تؤكِّد أنَّ نشأته بعيداً عن أهله تشعره بأنَّه مرفوضٌ من قِبَلِهم.؟ وعزلته عن رفاقه، ستلغي لديه قدرة التواصل مع الآخرين، وهذه أمور تعوِّضها الأم لولدها وهي أقدر من سواها على رفع مستوى ثقته بنفسه بعد مواجهته اضطراب ما بعد صدمة استشهاد أبيه، دون أن يغرق في نرجسيةٍ خطيرة، وعليها أن تنسيه أنّه يتيم بمعالجة صدمتها هي لغياب زوجها؛ لأنَّ تأثيرها أكثر خطورة فيه من سواها.

تأثير عدوان تموز على أطفالنا
س- ما هي أهمّ الأمراض النفسيَّة التي عاناها أطفال لبنان عامةً بعد عدوان تموز 2006، وما هي عوارضها، ونسب الأطفال المرضى والأصحاء؟

ج- إنّ مرض اضطراب ما بعد الصدمة، حالة نفسيَّة يعيشها الطفل لدى رؤيته ما يؤلمه مباشرةً أو عبر شاشة التلفاز، ويتأكَّد وجوده باستمرار عوارضه إلى ما بعد الشهر من حدوث الانفعال الأول، وأهمها: كوابيس الأحلام المرعبة، وهذه الحالة لم تقتصر في لبنان على الأطفال الذين تعرَّضوا للقصف في المناطق المسلمة، بل شملت ثلاثمئة طفل من المسلمين والمسيحيين والدروز، وقد تبيّن أنّ أطفال المناطق الآمنة عاشوا هذا الاضطراب بنسبة 85% يقابلها 15% أصحاء...

س- ما المشترك نفسياً بين طفل المناطق الآمنة والمناطق المستهدفة؟
ج- تقاربت نسبة المرض بين المنطقتين بشكل كبير، والسبب هو التلفاز والفضائيات التي عرضت دون حذر مشاهد مرعبة أثارت خوف الأطفال الذين فقدوا الأمان في مناطقهم الآمنة، لشعورهم بأنَّها قد تحصل لهم يوماً، في ظلِّ التوتر العام الشامل للبلد عامةً.

س- بمَ تفوَّق الأطفال الأصحاء أصحاب نسبة 15% حتّى نجوا من براثن هذا المرض؟ وما المؤهلات النفسية التي امتلكوها دون سواهم؟
ج- هم أكبر سناً من سواهم، وبالتالي، أقوى نفسياً على المواجهة؛ لأنَّهم يمتلكون أكثر آليات الدفاع التلقائي. وقد ركّزت في دراستي على أطفال الصف السابع والعاشر، فتفاوتت النسب في الصف السابع بين المناطق الآمنة والمستهدَفة، وتساوت في الصف العاشر، بسبب عجز الأهل عن ضبطهم في مشاهدة التلفاز. ولثقافة الأهل هنا دور هام وفق دراستي، فالأم المتعلِّمة تؤمّن لأطفالها إحساساً بالأمان أكثر من الأم التي لم تتعلم، بصرف النظر عن الاستثناءات.

تأثير عدوان تموز على أهلنا
س- ألم تُظهر دراستك أنّ الأهل في عدوان تموز، قد استعادوا أمراض الطفولة نتيجة الحروب السابقة التي عاشوها؟

ج- (تبتسم مؤكدة) بلى، فهؤلاء كانوا أطفالاً في الحرب الأهلية، وقد عانوا أكثر من عشر سنوات هذا الاضطراب، كما أظهرت دراسة أجراها مركز "مقصود" عام 96 لأنَّهم لم يُعالَجوا منها، ففي عدوان تموز، استعاد هؤلاء عوارض هذه الصدمة أمام أطفالهم وقد سُميّت نفسياً: تأثير ردَّة الفعل الطبيعية لما بعد الصدمة (normaléréaction). وهنا يستطيع الأهل أنْ يقدّموا لأولادهم الصدق والواقعية في هذا المجال وإخبارهم أنَّهم يعملون جهدهم للحفاظ عليهم في ظروف خطيرة، لا أنّ يوهموهم بأنَّ الخطر غير موجود وهم يشاهدونه على التلفاز في مشاهد مرعبة، وأنصحهم بإبعادهم عن المشاهدة؛ لأنَّهم عانوا مجدداً اضطرابات نفسية لدى رؤيتهم مشاهد عدوان غزة.

* أطفال غزة
س- على سيرة "غزَّة هاشم"، هل شملت دراستك التي تزامنت مع العدوان عليها أبناءها وأبناء فلسطين؟

ج- لا، علماً أنَّ أكثر الدِّراسات التي تُجرى في العالم حول هذا المرض تدور حول الفلسطينيين. ولاحظتُ تقارب النِّسب بين أطفال فلسطين في أبحاث سواي وبين أطفال لبنان في دراستي، فغزَّة مستهدفة دائماً، ومثلها قرى الشريط الحدودي التي تتعرَّض يومياً "للزيارات" الجوية الإسرائيلية. وأطفال غزة أكثر أطفال العالم تعرُّضاً للصدمات، وحالتهم النفسية أسوأ من سواهم في المناطق الفلسطينية التي لم تتعرّض للقصف.

* أشجع أطفال العالم
س- لكننا نرى شبابهم "يَصدمون" بالمقاومة، "الاضطراب" الإسرائيلي الدائم، وأطفالهم يلهون مع الموت جنباً إلى جنب في أزقة مستهدفة، خلافاً للطفل الإسرائيلي "ابن الدلال الخائف والغنج الجبان"؟

ج- سهلٌ عليَّ أن أقول إنّ مواجهة الحرب بالحرب، قبل سنَّ الحادية والعشرين، أمرٌ خطأ، وتسبّب مشاكل نفسية، لأنّ دماغ الصغير لم يكتمل، فكيف بقواه النفسية؟ ولكني لا أكون بهذا قد قاربت الواقع بدَّقة، لأنَّني لم ألتقِ يوماً أحداً منهم لأعرف دوافعهم. صحيح أنَّ الطفل الفلسطيني أشجع أطفال العالم، لكني أراه أيضاً أكثرهم افتقاداً للأمان، لافتقاده للملجأ. ولو تأمّن له لَلَجأ إليه؛ لأنّه الأسلم والأصح نفسياً في طفولته، ولكان أحب الحياة ككل خلق الله.

س- أتعتقدين أنَّ الأطفال الإسرائيليين الذين نقلت الفضائيات صورهم، وهم يوقعون لأطفال لبنان "هداياهم" القاتلة المجرمة في عدوان تموز، أكثر حُبّاً للحياة من الطفل الفلسطيني، الذي يستميت دفاعاً عن الحياة وأبنائها من حوله؟

ج- (استنكرت بشدة صياغة هذا السؤال وأصرّت...) لا.. لا، إطلاقاً إنني أتصوَّر واقعاً أنَّ الطفل الإسرائيلي أقل شجاعة بكثير من الطفل اللبناني والفلسطيني تحديداً؛ لأنّه كما وصفته، مختبئ دائماً وهو وليد الخوف من أهل خائفين ولأنَّه جبان، فهو دائماً معتدٍ ويلجأ مع أهله إلى الملاجئ (خمس نجوم) قد أتقنت دولتهم تحضيرها، خلافاً لطفلنا الذي يعرف كل زاوية في الشوارع المستهدَفة، والذي لا يخضع لأيِّ علاج نفسيّ، بينما يولد الطفل الإسرائيلي في مجتمع يهتمُّ بوضعه النفسي، فهم ما زالوا يهتمُّون حتَّى الآن بدراساتٍ حول تأثير "الهولوكوست" على الطفل الإسرائيلي المعاصر، الذي لم يعشها بل سمع عنها من أبويه وأجداده، ومعظم مؤلِّفي كتب علم التحليل النفسي هم من اليهود، الذين يُعنَون بشأن أطفالهم وخاصَّة المقيمين في الـ"كيبوتس". أنا أدعو مجتمعنا إلى العناية بأطفالنا لأنَّهم أساس الحياة وبراعم مستقبلها الواعد؛ ولأنَّ دراستي عنهم تقنعني بأنَّهم الأجمل بتفاؤلهم العالي وبمناعتهم التي تجعلهم قادرين على إعادة ترتيب أمورهم، متجاوزين أعراض اضطراب ما بعد صدمة عدوان تموز، ذكوراً وإناثاً دون أي فارق في القوَّة أو في الشعور الإنسانيّ الطبيعيّ خوفاً وقلقاً.. ومقاومة؛ لأنَّ معظم الأطفال الذين قابلتهم في الخارج من غير اللبنانيين، وقد صودف وجودهم في لبنان أثناء عدوان تموز، ما زالوا حتَّى اليوم يبكون ويخافون كلما سمعوا صوت الرعد، لأنه يذكرهم بتموز العدوان. أما الطفل اللبناني، فقد تجاوز هذه المسألة بسرعةٍ قياسية، مقارنةً مع سواه. وبعد شكري لها على طول أناتها وعدتها بحوار جديد حول دراسةٍ جديدة تعدّها عن أطفالنا الآتين من زمن المقاومة ليصنعوا مستقبل أمتهم في زمن الانتصارات المقبلة.


(*) معالجة نفسية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع