مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شرح دعاء العهد (7): الصلاة على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف

الشيخ محسن قراءتي


وردت في دعاء العهد أوصاف للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، ثمّ السلام عليه وعلى آبائه الطاهرين، فجاء فيه:
"اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَا الْإِمَامَ الْهَادِيَ الْمَهْدِيَّ الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ الطَّاهِرِينَ عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا...".

* صلوات الله عليه
من الوظائف والتكاليف المتعلّقة بالعباد تجاه الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، الصلاةُ عليه(1). وبالالتفات إلى الآية الكريمة: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَأَيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمواْ تَسْلِيماً﴾ (الأحزاب: 56)، تتّضح أمور عدّة:
أ- صلاة الله تنزُّل الرحمة: إنّ الله تعالى يصلّي على نبيّه. وهذه الصلوات التي هي جمع صلاة، عندما تُنسب إلى الله تعالى تأتي بمعنى إنزال الرحمة، وعندما تُنسب إلى الملائكة والمؤمنين تأتي بمعنى طلب الرحمة(2).
ب- يصلّون بلا انقطاع: من تعبير "يصلّون" الذي هو فعل مضارع يدل على الاستمرار، يُفهم أنّ الله تعالى يصلّي وينزل رحمته عليه دائماً وبلا انقطاع(3).
ج- العلاقة بين الناس والقائد في الحكومة الإلهية هي الصلوات والسلام: العلاقة القلبيّة ليست كافية، بل من اللازم إظهارها، فالله تعالى يخاطب نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ (التوبة: 103).
فالآية توصي الناس بأن يصلّوا على النبي. نعم، العلاقة في الإسلام بين الناس والقائد هي علاقة الصلوات والسلام، كما ورد في الآية 54 من سورة الأنعام من أنّ الله تعالى يأمر نبيّه بالسلام على من يأتيه: ﴿وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾ (الأنعام: 54).
وعليه؛ فالصلوات الإلهية على الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بمعنى إرسال الرحمة والبركة الدائمة والمستمرّة.

وهذه الصلوات نجدها كثيراً في الأدعية:
ففي دعاء الافتتاح نطلب من الله تعالى: "اللهمَّ وصلّ على وليّ أمرك القائم"، وفي دعاء عيد الفطر أيضاً ندعو: "اللهمَّ صلِّ على وليّك المنتظر"، وفي صبيحة كل يوم جمعة نسأل الله تعالى في دعاء الندبة: "اللهمَّ صلِّ على حجّتك ووليّ أمرك"، وفي دعاء الصلوات نقول أيضاً: "اللهمَّ صلِّ على وليّك وابن أوليائك"(4).

* لماذا نصلّي على المعصوم؟
سُئل المرحوم الطباطبائي: إنّ المعصوم لا يحتاج إلى الصلوات، فلماذا نصلّي عليه؟ فأجاب ذلك العالم الحكيم عن الصلوات التي نصلّيها: أولاً: نحن لا نهدي شيئاً، بل نسأل الله تعالى ونطلب منه أن ينزّل رحمته على النبيّ وأهل بيته، ثانياً: صحيح أنّ هؤلاء الصفوة ليسوا محتاجين إلينا، إلّا أنّهم محتاجون إلى الذات الإلهيّة المقدّسة، ولا بدّ من نزول الفيض الإلهيّ عليهم.
نحن نقترب بهذه الصلوات من تلك الصفوة، كما لو أنّ بستانيّاً كان يعمل لدى صاحب بستان، وكلّ ما فيه من ورود وأزهار وفاكهة هو ملك لصاحب البستان، وكان يتقاضى أجره على عمله عنده، لكنّه في يوم العيد جاءه بباقة من الورود اقتطفها من البستان وبحضور صاحب البستان نفسه، وقدّمها إليه، فهل عمله هذا يوجب تقرّبه من صاحب البستان أو لا؟ من المسلَّم أنّه يوجب ذلك، فهذا العمل دليل أدب البستانيّ. الصلوات أيضاً إثبات لأدبنا، وإلّا فليس هناك شيء منّا، بل نسأل الذات الإلهية المقدّسة أن يزيد من مراتب ودرجات هؤلاء العظماء، ونفس هذا الأدب الذي نقدّمه، هو بالنسبة إلينا تقرّب إليهم(5).

* أسرار الصلوات في مقام الدعاء
أسرار وفوائد الصلوات، خصوصاً في مقام الدعاء كثيرة ومتعدّدة، حيث يعلّمنا الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليه السلام هذا النوع من الأسلوب في الدعاء. أحد أسرار الصلوات هي أنّ الرحمة عندما تنزل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، تصل إلى غيره أيضاً، حيث هو مجرى الفيض، وإذا كان من خير يصل إلى الآخرين؛ فإنّه ينزل أولاً عليه وهو الرحمة الخاصة، ثم يصل إلى الآخرين.
لذا، مضافاً إلى كون الصلوات توجب الرحمة الإلهيّة لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فإن آثارها تتوجّه إلى أطراف العالم، كما ورد ذلك في كيفيّة السلام عليه: "اللهمّ صلّ عليه صلاة تُظهر بها حجّته، وتوضح بها بهجته، وترفع بها درجته، وتؤيّد بها سلطانه، وتعظّم بها برهانه، وتشرّف بها مكانه، وتُعلي بها بنيانه"(6).

* تكرار لا يخلو من حكمة
وهنا التفاتة أخرى، وهي أنّ مجيء لفظ الصلوات بصيغة الجمع وتكرار لفظ "على" لا يخلوان من حكمة؛ وهو ما سنوضحه في المقطع الآتي.
1- وعلى آبائه الطاهرين: يُستفاد من عبارة: "وعلى آبائه الطاهرين" أنّه في السلام على الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف لا ينبغي الغفلة عن آبائه وأجداده عليهم السلام، فالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو في الحقيقة استمرار للرسالة والولاية. وفي هذا الدعاء يطلب الداعي الرحمات الإلهيّة للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف دفعةً واحدة، ثم بتكرار لفظ "على" يطلب هذه الرحمات الإلهية لآباء وأجداد إمام الزمان؛ لأنّ مقام حياتهم مختلف عن مقام مماتهم الظاهريّ، والإمام المهدي هو الوحيد الحي والحاضر.
مع الالتفات إلى أنّ كلّ إمام له وظيفته الخاصّة والمعيّنة التي أوكلت إليه، وهذا التنوّع في الوظائف يتطلّب تنوّعاً في الرحمات والبركات والفيوضات.

2- عن جميع المؤمنين والمؤمنات:
في دعاء العهد يسلّم جميع المؤمنين والمؤمنات على الإمام. فالعلاقة هي علاقة جمعية وعالميّة. لذا، على المنتظِر أن يعلم أنّ أعمال الخير لا بدّ من أن تؤخذ بنظرة عالميّة، وليست شخصيّة أو محليّة أو قوميّة أو عائليّة. إذا توجّهنا للزيارة، علينا أن نأتي بالزيارة نيابة عن جميع المؤمنين والمؤمنات، وإذا تصدّقنا نقول: هذه الصدقة لدفع البلاء عن جميع المؤمنين والمؤمنات، ولا نقول في دعائنا: إلهي! ارحم المؤمنين الذين يصلّون في هذا المسجد، بل ندعو للمؤمنين الذين يصلّون في سائر المساجد، فلماذا التعصّب؟ ألستَ تنتظر إماماً عالمياً؟
الذي ينتظر الإصلاح العام، لا بدّ من أن يفكّر بطريقة عامّة أيضاً، عن جميع المؤمنين والمؤمنات.

3- في مشارق الأرض ومغاربها:
تبرز في الدعاء مسألة عدم وجود الحدود والشروط، فالعلاقة المطلوبة علاقة بلا حدود. في هذا الدعاء يسلّم المؤمنون على إمامهم من مشارق الأرض ومغاربها، فالعلاقة هي علاقة بدون حدود.

4- وسهلها وجبلها:
يمكن للمؤمنين والمؤمنات الإقامة والسكنى في جميع أنحاء الأرض، وأتباع أهل البيت عليهم السلام يتعلّمون من هذا الدعاء عدم الاعتناء بالبعد الجغرافي الخاصّ، وأن يتذكروا الجميع، وأن يكونوا بعيدي النظر.


1- مكيال المكارم، محمد تقي الأصفهاني، ج 2، ص 373، الوظيفة الإحدى والأربعون، وقد بيَّن في هذا المجال مطالب قيّمة.
2- المفردات للراغب، مادة: "صل".
3- راجع: تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، حيث ذكر بحثاً مفصلاً في ذيل الآية الشريفة.
4- مصباح المتهجد، الطوسي، ص 45؛ الصحيفة المهدية، الكاشاني، ص 388.
5- توصيه ها، برسش ها وباسخ ها، ص 78.
6- بحار الأنوار، المجلسي، ج 99، ص 85.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع