نهى عبد الله
كان يرى الليل مُغرياً للصحو؛ فالنجوم لا تتوهَّج إلّا إذا تسربَلَت السماء بسوادٍ
حالك، وكعادته توضّأ وصلّى قليلاً، وأمسك كتاباً صغيراً ذا غلافٍ جلديٍّ، قبَّله،
وعدّل طريقة جلوسه، احتضن الكتاب براحة كفّيه، وبدأ يتلو.
كانت تلاوتُه أشبه بهمسات ملائكيّة تتسلّل إلى أسماع النائمين في الغرفة المجاورة،
توقظ قلوبهم بنسائم الفردوس، همسوا بمرَح: "كالعادة، استقيظ محمّد قبلنا". شرعوا
يتهيّأون لعروج الليل بالعبادة، فقد يعرج أحدهم صباحاً بالجهاد.
في الفجر، فيما كانت تهمُّ الخيوط الفضيّة بتبديد العتمة، وقف "محمّد" أمام المرآة
يُسرّح لحيته، وهو يترنّم بآياتٍ يحفظها قلبه. كان صوته همساً خفيفاً كنبض قلبٍ
مطمئن. تلاوةُ القرآن؛ كانت تلك عادته التي تُؤنس رفاقه وتزيدهم طمأنينة وجَسارة،
خاصّة الآن، فثمّة عملية جهادية بانتظارهم.
همّوا بالخروج، بعد أن تأكّدوا من تجهيز كلّ ما يلزمهم، ألقى "محمّد" نظرة خاطفة
على نفسه وأغراضه، وتناول المصحف الجلديّ ودسَّه في جَيبه الصغير إلى جانب قلبه،
وأعلن جهوزيّته: "الآن بات لديّ كلّ شيء".
كانت بلدة كفرا شاهدة على بَسالة تلك الأفئدة. أصيب "محمّد" جرّاء قصف العدو
الإسرائيلي إصابةً بالغة، فأسعفه رفاقه، وطوال الطريق من الجنوب إلى مستشفىً في
بيروت، ظلّ "محمّد" يُؤنس قلبه بتلاوة القرآن وسيارة الإسعاف تنهب الأرض مسرعةً به،
وحالما وصلت كان موعد عروج روحه قد حان، واستشهد.
حينما نقلوا جثمانه إلى المستشفى على حمالة، كان مُسوَدّاً إثر احتراقه بعد القصف،
مقطوع اليدين... لكنّ رائحة الجنّة التي انبعثت منه، ملأت المكان، وقيل: "استشهد
"المُفتي"(1) الذي لم يترك لسانه أبداً تلاوة القرآن".
(1)"المفتي": الشهيد محمد نعمة يوسف، الملقب بالمفتي لاهتمامه بمسائل الدين، واستشهد في كفرا 21-12-1985م.
جنوب لبنان
سيد دنيال جواد
2018-05-19 14:05:58
عمل اكثر من رائع
الضاحيه
سناء علي
2018-05-19 22:08:21
الله يرحم الشهيد القرآني.. اجركم الله لأن عم تعرفونا عليهن.
بيروت
ح.ي
2024-03-16 07:35:43
كيف لكم و من اين علمتم ،مع من تواصلتم و هل تعرفون المزيد