بحثت عن الصدق على ألسنة الناس من حولي.. فما وجدته إلّا
قليلاً في مَن لا يخافون خسران الحياة، وجدته قلادات معلّقة على صدور الآخرين..
ومِن خلفه وعود كاذبة وروايات.. فسلامٌ على مَن قال: «إنّما الأعمال بالنيّات»..
فكيف لأرضٍ أن تُثمر أشجاراً لم يكن أصلها فيها؟
نعم.. لقد افترت الأزمان على فنِّ المقال.. وأصبح الكذب في عصرنا ملحاً.. لأولئك
الذين يحرّرون صفحات حياتهم بكلمات لو نَطَقت لفضحتهم أمام الأعيان.. لتبقى شجرة
الصادقين ملتحِفةً ثوب الخريف.. دونَ ثقل على الأغصان..
فكّرت ذات يومٍ وأنا في صراع مع نفسي، أنْ أضع صورة قبرٍ فارغ مُقابل مضجعي.. لكي
أفتح عيني كلّ صباح على حقيقة زوالي.. وأرى في كلّ يومٍ منزلي الموعود، لعلّي أنتبه
من غفلتي ولا تعبث بحقيقتي أحلامي..
لعلّي أجد إلى لساني سبيل الصدق والرشاد.. لعلّي أعمل عملاً يكفيني شرّ نفسي لا شرّ
العباد، لعلّي لا أبحث عن راحتي الوهميّة.. فلو كانت الراحة صَرحاً في عالم المحسوس
لمّا كانت الجنّة حقيقة حتميّة.. حيث توجد الراحة الأبدية..
بحثتُ عنها في الحياة فوجدتُ الجالسين على موائد الذهب والفضة وما خَلتْ موائدهم من
بلاء، وما خلدت رؤوسهم على ريش نعامهم دون ذبذبات الضمير في محاولة منه لإيقاظ
الحياء .
ووجدتُ الفقراء ينعمُون بليلٍ ساكن إنِ استطاعوا أنْ يناموا وفي بطونهم فُتات
العشاء، ولكن نهارهم كان علقماً لا يُذاق منكهاً بالتعب والعناء، وبسطوة الحكّام
والطغاة على قلوب الأبرياء..
اتّهمت نفسي بأنّني عدوّ الاستقرار في الحياة، ولكن بعد إجازة وتفكّر وجدت أننّي
أعقل العقلاء..
فالحرية كنزٌ لا يثمّن بالمال والقلادات.. فإمّا أنْ تعيش القلائد على الصدور وفي
القلب مكرٌ وفجور وإمّا أنْ يعيش المرء بعزّة وحريّة.. ولو كان الثمن دماءً وردية..
هكذا تعلّمت في البدايات.. وسأبقى ناطقاً بلسان قلبي لا بالكذب والتوريات..
فالسلام كل السلام لمَن يتبع من قال، إنّما الأعمال بالنيات..
محمد نايف