إنّ العمل هو لرقيّ الشباب والمجتمع. وستبقى صورة هذا
العمل الذي هو عمل روحيّ وإلهيّ، في ذلك العالم (الآخرة)، وستصلون إلى تلك الصورة.
إنّ الأعمال التي نقوم بها هنا تنعكس كانعكاس الصوت، وعندما نذهب إلى هناك (عالم
الآخرة) نجد تلك الأعمال. وقد ورد في القرآن الكريم:
﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرًا يَرَهُ﴾
(الزلزلة:7). وسيظهر هذا العمل هناك بشكل حسن ومناسب وسيلازم الإنسان بعد موته إلى
النهاية
﴿وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرًّا يَرَهُ﴾
(الزلزلة:8).
إنَّ الجنَّة والنار من أعمالنا. ولذلك، عليكم أن تقضوا العمر الشريف
الذي منحكم الله تبارك وتعالى إيَّاه بالأعمال الحسنة ولا تهدروه! ولمّا كان الله
تبارك وتعالى مطّلعاً على الحقائق – من أنّ أيّ عمل يعمله الإنسان هنا سيراه هناك -
هداكم للقيام بالأعمال المفيدة للمجتمع ولأنفسكم. لذا، فإنّ عقل الإنسان يقضي بألاّ
يُهدر العمر، والأفضل من ذلك ألا ينفقه (المرء) في طريق الشرّ فيكون هناك وبالاً
عليه!
* أوهام شيطانية
قد يخطر ببال الإنسان تأخير عمل الخير إلى أواخر العمر! ولكنْ، هذا من الأوهام
الشيطانيَّة التي تمنع الإنسان عن عمل الخير. فإذا لم تقفوا منذ الآن أمام الشهوات
الفاسدة، فلن تُصدّ أبداً. لا تسمحوا لأقدامكم بأنّ تزلّ بكم – لا سمح الله – إلى
الميول غير السليمة وإلى الاعتداء على حقوق الناس! فاقضوا هذه الأيام القليلة من
عمركم في تجارة لا ينقطع أثرها حتّى النهاية. ففي الوقت الذي فتحت فيه أبواب النعمة
أمامكم وتستفيدون منها بكل حرية، عليكم مراعاة الحدود، فتكون جميع تصرّفاتكم وفق
الأحكام الشرعية، ليواصل بذلك الإنسان تقدَّمه.
* القوانين الإلهية
تختلف الأحكام الإلهيَّة عن القوانين الدنيويَّة، فقد لوحظ في القوانين الدنيويَّة
ما يتولّى تنظيم بُعد أو بُعدين من الحياة في هذا العالم فقط، وحتّى ليس من المعلوم
أنْ يوفَّقوا في معالجة جميع جوانب هذه الأبعاد، ويضعوا ما يناسبها من القوانين!
أمَّا الإسلام - والقوانين الإلهيَّة - فقد تناول حياة الإنسان خطوة خطوة، من قبل
أن تنعقد نطفته فترى نور الحياة إلى أن يحين وقت موته. وقد أعدّت قوانين الإسلام
هنا (في هذا العالم) قوانين ما بعد الموت أيضاً! وهي ليست كالقوانين البشريَّة التي
لا تستطيع رؤية سوى هذا الوجه المادّي، بل ركَّزت على الوجه المعنويّ أيضاً، وبُعث
الأنبياء لتربية البشر بجميع أبعادهم. وأمَّا غير الأنبياء، حتّى لو كانوا صالحين،
فلا يستطيعون أن يرّبوا أحداً إلا للحياة الدنيويَّة هذه؛ لأنَّ يد الإنسان عاجزة
عن الوصول إلى البعد الآخر الذي يلي هذه الحياة، فكيف له أن يربي أحداً لذلك البعد!
أما الأنبياء، فيربون الإنسان للأبعاد الدنيويَّة والأبعاد المعنويَّة معاً، وقد
علّموا البشر قوانين كثيرة.
* أمانة الله في سبيله
وأنتم الذين تملكون نعمة الشباب وتتعلَّمون، اسعوا لتكونوا ذوي فائدة لشعبكم
وبلادكم ولأنفسكم. لا تضيِّعوا أعماركم؛ لأنَّكم إذا وصلتم إلى سنّي وأردتم عمل شيء
حسن، لن تسمح لكم حالة الضعف والنقاهة بذلك! أنفقوا هذه القدرة والأمانة المهداة من
الله في سبيله. والإنفاق في سبيل الله هو الإنفاق في صالح البلد الإسلامي وفي تعزيز
قدرة الإسلام، وفي استخدامه (أي العمر) لطرد أعداء الإسلام، وهؤلاء الأشخاص الذين
جاؤوا وأخذوا ينهبون ثروات المسلمين. راعوا أيضاً آداب حياتكم الموجودة في ذلك
الجانب الآخر، وأصلحوهما كلاهما هنا وهناك.
1- خطاب ألقاه الإمام الخميني قدس سره في باريس بتاريخ 26/10/1978.