نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

سؤال وجواب: أمواتنا... هل يزوروننا؟


الشيخ موسى خشاب


حين نفقد عزيزاً على قلوبنا, لا نلبث أن ننساه بعد فترة بسبب انشغالاتنا الكثيرة, ولكن هل ينسانا الأموات, أم أنَّهم يتذكَّروننا؟ وهل يروننا أو هل يزوروننا؟ تُعتبر هذه الأسئلة مرعِبَة, فأن يراك ميتٌ ليس بالأمر المسلّي. وقد يحبّ بعض الناس أن يزورهم الميت حتى يطّلعوا على أحواله وما يجري عليه.  كثيرون هم الذين يحبِّون أن يروا الأموات في المنام وليس في اليقظة, وهذا الحبُّ نابع من حبِّ معرفة أحوال الميت, وقد يحبُّ بعض الناس ذلك للاطلاع على أحوال العالم الآخر وما يجري فيه, وقد يحبّ بعض الناس رؤية الأموات ليعرفوا منهم الأمور التي سوف تجري معهم في المستقبل. ولكن، ماذا عن رؤيتهم في اليقظة؟

* أين هم الأموات الآن؟

ورد في القرآن الكريم أنَّ الأموات الذين ارتحلوا عن عالمنا يعيشون في عالم يسمَّى "عالم البرزخ", وهذا العالم يضمُّ كلَّ الأموات الذين يبقون يعيشون في ذلك العالم إلى يوم القيامة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون (المؤمنون:100). صحيح أنَّ كلَّ الأموات في البرزخ, ولكن تختلف حالة المؤمن عن حالة الكافر, فالمؤمن في جنّة البرزخ ويتشوّق إلى يوم القيامة، والكافر في نارها ويتمنّى عدم قيام الساعة. روي عن أبي عبد الله عليه السلام: "إنَّ أرواح المؤمنين لفي شجرة من الجنَّة يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها ويقولون: رَّبنا أقم الساعة لنا، وأنجز لنا ما وعدتنا، وألحق آخرنا بأوَّلنا"(1). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنَّ أرواح الكفَّار في نار جهنّم يُعرضون، يقولون: ربّنا لا تُقم لنا الساعة ولا تُنجز لنا ما وعدتنا ولا تُلْحِق آخرنا بأوَّلنا"(2).

* الشكل الذي يكون عليه الأموات في عالم البرزخ

بعد أن يفارق الإنسان جسده ويُدفن هذا الجسد تحت التراب، يتلبّس الإنسان بجسد آخر لطيف، كالذي نراه في المنام، وهذا الجسد يتناسب مع ذلك العالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنَّ الأرواح في صفة الأجساد في شجرة في الجنّة تتعارف وتتساءل فإذا قَدِمَت الروح على الأرواح تقول: دعوها، فإنَّها قد أقبلت من هَوْل عظيم، ثمَّ يسألونها: ما فعل فلان؟ وما فعل فلان؟ فإن قالت لهم: تركته حياً، ارتجوه، وإن قالت لهم قد هلك، قالوا: قد هوى، قد هوى(3).
والشكل الذي يكون عليه هذا البدن هو نفس الشكل الذي يكون عليه في الدنيا، أو إن شئت فقل: إنَّه يكون بكيفيَّة تجعلك تعرفه عندما تراه، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ذكر الأرواح، أرواح المؤمنين فقال: يلتقون، قلت: يلتقون؟ قال: نعم، يتساءلون ويتعارفون، حتَّى إذا رأيته قلت: فلان"(4).

* هل تحضر هذه الأجساد إلى الدنيا؟

ورد في الروايات أنَّ سكَّان عالم البرزخ لهم اتِّصال بالدنيا، كلٌّ حسب مرتبته ودرجته، وقد ذكرت الروايات عدَّة أماكن تحضر فيها هذه الأرواح، وهي على الشكل التالي:
1- نقطة التجمّع المركزيَّة: ورد في الروايات نقطتا تجمّع لأرواح المؤمنين والكافرين، ولكن، كلٌّ على حِدَة، فالنقطة التي تجمع أرواح المؤمنين هي وادي السلام قرب الكوفة، والنقطة التي تجمع أرواح الكفار وادي برهوت في اليمن.

2- عند القبر: والنقطة التالية التي تكون فيها أرواح الأموات هي عند القبور، وهذا ما يُفهم من الروايات ومنها ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "زوروا موتاكم فإنَّهم يفرحون بزيارتكم، وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر أمِّه بما يدعو لهما"(5).

3- الحضور إلى المنزل: ورد في الروايات أنَّ الميّت يزور أهله كما يزورونه، ولكن، يوجد اختلاف بين ميت وآخر بحسب مرتبته: عن إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: "سألته عن الميّت يزور أهله؟ فقال: نعم، قلت: في كَمْ يزور؟ قال: في الجمعة وفي الشهر وفي السنة، على قدر منزلته..."(6).

* هل يمكن رؤية هذه الأجساد؟

إذاً أرواح المؤمنين تعيش في عالم البرزخ وهو عالم المثال، وتسكن في أجساد مثاليّة صورتُها تشبه الصورة الماديَّة التي كانوا عليها في الدنيا, ولكن هل يمكن رؤية هذه الأجسام في اليقظة؟ يذكر الشيخ المفيد أنَّه يستدل برؤية الملائكة على إمكانيَّة رؤية هذه الأجسام مهما كانت حقيقتها(7). أمَّا بالنسبة لرؤية الملائكة فقد تمّت رؤيتهم في العديد من المرّات بحسب القرآن الكريم، كما في قصة مريم عليها السلام، قال تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا(مريم:17). وقد ذكر القرآن الكريم قصَّة قوم لوط ورؤيتهم للملائكة في سورة هود (77-78). كما تحدَّث القرآن الكريم في العديد من الآيات عن نزول الملائكة في يوم بدر، وتحدَّثت الروايات عن العديد من الشواهد. والخلاصة هي بما أنَّ رؤية الملائكة ممكنة وهي مجرّدة فرؤية هذه الأجساد ممكنة، لأنَّها أقرب إلى المادَّة من الملائكة. هنا، يطرح السؤال التالي، وهو: أنَّه صحيح أنَّ رؤية هذه الأجساد ممكنة بحسب الإمكان، ولكن هل يتمُّ هذا الأمر فعلاً أم لا؟ والجواب: نعم، يمكن أن يتم هذا الأمر فعلاً، وقد حدث عدَّة مرَّات مع العديد من الأشخاص، وقد ذُكر العديد من القصص عن اتِّصالهم بعالم البرزخ والمثال، منها:

- قصة ولادة الزهراء عليها السلام(8).
- مخاطبة عيسى عليه السلام للأموات (9).

أمَّا السؤال عن الحكمة من ذلك، فهي مختلفة بين حالة وأخرى، فمرَّة للمؤانسة، ومرَّة للمساعدة، ومرَّة للقتال مع المؤمنين، ومرَّة لتثبيت القلوب، ومرَّة لزيادة إيمان إنسان، ومرَّة للتحذير من أمر معين و.... وأمَّا بالنسبة للأشكال التي يأتون بها فهم قد يأتون بنفس أشكالهم التي هم عليها، وقد يتمثَّلون بأشكال أخرى. وهذا لا يعني تحوّلاً في حقيقة الميت، بل من باب التمثّل كما يتمثَّل الملك بصورة بشرٍ، كما هو واضح. والمهم أنَّ الأموات يأتون إلى عالمنا ويستمعون ويرون ما يحدث، ولكن، ليس كلُّهم بنفس النسبة، وأنَّ رؤيتهم ممكنة، والحديث معهم ممكن في حال توفَّرت الشروط والظروف الملائمة. وعلى كلِّ حال، فإنَّ ما جرى في السابق يمكن أن يجري في الحاضر والمستقبل، وقد حدث أن قاتل الشهداء جنباً إلى جنب مع المجاهدين في حروبهم بما يصعب ردّه وتكذيبه، رزقنا الله وإيِّاكم ما فيه صلاح أنفسنا وأنفسكم.


1- تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج15، ص75.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج3، ص245.
3- تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج15، ص75.
4- تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج1، ص364.
5- الكافي، الشيخ الكيني، ج3، ص230.
6- الفصول المهمة في أصول الأئمة، الحر العاملي، ج1، ص327.
7- أوائل المقالات، الشيخ المفيد، ص77.
8- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص691.
9- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص318-319.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع