مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شرح دعاءالعهد (6): اللهمّ بلّغ مولانا الإمام


الشيخ محسن قراءتي


وصلنا في القسم الثالث من دعاء العهد إلى فقرة إبلاغ السلام للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؛
"اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَا الْإِمَامَ الْهَادِيَ الْمَهْدِيَّ الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ الطَّاهِرِينَ عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا...". فالسلام على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، في هذا الدعاء، يعود إلى بُعد نظر الإنسان المنتظِر وحالة شوقه.


* إبلاغ السلام
السلام على إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في هذا الدعاء، هو عالميّ من جهة الكميّة، وبمقدار زنة العرش من حيث الكيفيّة التي تكون بحسب الإنسان المنتظِر، الذي لديه ثقافة عالميّة، وعند الحاجة يطرح ذلك بنظرة عميقة وبعيدة المدى. فبعض الناس يريدون الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لأجل حلّ مشاكلهم فقط، أمّا المنتظرون الواقعيّون فلديهم مشاعر وأحاسيس عالميّة، وعندما تقع مشكلة في غير المنطقة الجغرافيّة التي هم فيها، يصيبهم القلق والاضطراب.

* سلامُ المنتظِرين
نقرأ في هذه الفقرة من الدعاء: "عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها"، حيث يسلِّم المنتظرون على إمامهم عن جميع المؤمنين والمؤمنات في جميع أنحاء العالم، من خلال قراءة هذا الدعاء في بداية صبيحة كلّ يوم.
وهذه الفقرة تُظهر أنّ طلب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لأجل الحاجة الشخصيّة أمر خاطئ، فالمنتظِر الواقعي لديه مشاعر عالميّة، ومثل هذا الانتظار هو انتظار إيجابيّ وفعّال.

* كيف يبلِّغ المنتظر الإمام السلام؟
يَطلب الإنسان المنتظِر من الله تعالى إبلاغ السلام والتحيّة لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، في اثنتي عشرة فقرة:

1- اللهم بلّغ مولانا الإمام الهادي المهديّ القائم بأمرك:

إنّ للأشخاص العظماء والمشهورين أسماءً وألقاباً وكنىً مختلفة وواقعيّة، وكل واحد منها يعكس بعداً من أبعاد شخصيّتهم ووجودهم.

لذلك، عندما تبيّن الأدعية والزيارات أسماء وألقاب متعدّدة للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف نستكشف منها أنّ الأبعاد الوجوديّة للإمام متعدّدة وذات حقيقة. وقد أُشير في هذه الفقرة إلى خمس خصائص للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وسنقوم بتوضيح هذه العناوين المذكورة:

أ- المولى:

كلمة المولى مشتقة من مادة (و-ل-ي). وهذه الكلمة هي من أكثر الكلمات استعمالاً في القرآن الكريم، بأشكال مختلفة. المعنى الأصليّ لهذه الكلمة هو المتولِّي للأمور، وسائر المعاني الأخرى التي تُذكر لهذه الكلمة تُستفاد من القرينة. والإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو "مولانا"، فله الولاية علينا وهو المتولِّي لأمورنا.

ب- الإمام:

الله تعالى هو الذي جعل الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف إماماً. والإمام ليس هادياً فحسب، بل "إمام"، وليس متوليّاً للأمور فحسب، بل "إمام"، ما يعني أنّ في عمله وعبادته، أكله وحربه، سكوته وكلامه، "درساً وأسوة".
"الإمام" هو التجسيد العينيّ للأقوال والنظريّات، وهو الذي يحوّل الطروحات الذهنيّة للإسلام إلى حقائق خارجيّة، والتصوّرات إلى واقعيّات، والخيال إلى حقيقة، ويبيّن أنّ الإسلام ليس اسماً بلا مسمّى.

الإمام بما يحمل من صفات وأفكار وأعمال هو دائماً "إمام"، في جميع الأوقات وبالنسبة إلى كلّ الأفراد، كما هي الحال في إبراهيم عليه السلام الذي لا زال حتّى الآن إماماً.

ما أجمل هذا التعبير! وما أحلى هذا المقام! وما أروع هذه الكلمة! "إمام". وهي كلمة جامعة وذات محتوى إلى درجة أنّ الكلمات الأخرى من قبيل: المعلّم، المرشد، الهادي، المبلّغ، الواعظ، ليس لها هذا المعنى. فالكلمات الأخرى تدلّ على التعليم والإرشاد، لا على الحركة والاتّباع، لكن "الإمام" هو الشخص الذي يسير ويكون مقدَّماً من الناحية العمليّة، والآخرون يتبعونه ويسيرون خلفه.

ج- الهادي:

الشخص الوحيد الذي تجري الهداية على يديه هو خاتم الأوصياء الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. يقول تعالى في سورة الرعد (الآية 7): ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ. وبما أنّ النبوّة قد خُتمت، فالله تعالى يُتمّ الحجة على جميع خَلقه ولا يُخلي الأرض من حجّة ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ. وقد جاء في التفاسير كـ"مجمع البيان" و"كنز الدقائق" حديث يبيّن أن المراد بالـ: ﴿هَادٍ هم الأئمّة المعصومون عليهم السلام. وفي زماننا الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الهادي الوحيد للعالَم من قبل الله تعالى.

د- المهديّ:
أحد الألقاب المشهورة لإمام الزمان هو "المهديّ". وهو بمعنى صاحب الهداية ومن لديه الهداية. في الواقع هو التجلّي الواقعيّ لهداية الناس في أهمّ مقاطع التاريخ البشريّ. فالإمام هو الموصِل لجميع الناس إلى أوج الكمال والتعالي، والمُنجي لهم من الغرق في مهاوي الضلال والفساد.

جاء في الرواية: "إنّما سمّي القائم مهديّاً، لأنّه يهدي إلى أمر مضلول عنه.."(1). وعن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً أنّه قال: "لأنّه يهدي إلى كلّ أمر خفيّ"(2).

وعليه، فالإمام الثاني عشر يمكنه هداية الجميع وإرشادهم للوصول إلى قمّة الحقيقة والإيمان، كما جاء في حديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لعليّ عليه السلام: "يا عليّ، لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يملك رجل من عترتك، يُقال له المهديّ، يهدي إلى الله عزّ وجل.."(3).

هـ- القائم:

أحد أهمّ وأشهر ألقاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو "القائم". وسُمّي بذلك لأنّه يقوم مقابل الانحرافات وأنواع الظلم الموجودة، السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، ويعمل ضدّ الظالمين والفاسدين. في كلّ هذه المدة الطويلة، الإمام جاهز للنهضة العالميّة، والقتال ضد الأعداء، وهو بشكل دائم في حال انتظار للقيام.
وفي رواية عن الإمام الجواد عليه السلام أنّه سُئل: يا ابن رسول الله لم سُمّي القائم؟ قال عليه السلام: "لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته"(4).

وعلى هذا الأساس، يجب أن يعلم المنتظِرون، أنّ إحدى الآفات التي تلاحقهم هي الغفلة عن الإمام، ويحتمل أن تصل ببعض الأفراد المعتقدين بإمام الزمان، فيقعون ببلاء نسيان الحجّة الحيّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.


1.بحار الأنوار، المجلسي، ج 51، ص 30.
2.الغيبة، الطوسي، ص 471.
3.دلائل الإمامة، الطبري الإمامي، ص 469.
4.كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص 378.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع