* من عجائب اللّغة العربية
اختلف النحاة في أسماء الأفعال حول اعتبارها وتسميتها، والصحيح أنّها أسماء أفعال،
ولا محلّ لها من الإعراب.
و(أف) اسم فعل مضارع بمعنى (أتضجّر) وقد تعدّدتْ فيه اللغات، حتّى بلغت لدى بعضهم
أربعين لغة، قرئ بسبع منها: ثلاث هنّ المتواتر، وأربع من باب الشواذ. ونحن نقرأ في
قراءة حفص (أفٍّ) بالكسر والتنوين والتشديد. وإن كنت من فرسان هذا العلم فعليك
بالمطوّلات، ففيها ما ينفع غلّة الصادي(1).
* الفرق بين الإذلال والإهانة
"إذلال" الرجل للرجل أن يجعله منقاداً على الكره أو في حكم المنقاد، أمّا "الإهانة"
فأن يجعله صغير الأمر لا يبالي به.
والشاهد قولك: استهان به؛ أيْ لم يُبالِ به ولم يلتفت إليه، و"الإذلال" لا يكون
إلّا من الأعلى للأدنى، والإهانة تكون من النظير للنظير.
ونقيض "الإذلال" "الإعزاز"، ونقيض "الإهانة" "الإكرام" فليس أحدهما من الآخر في
شيء.
ولمّا كان الذلّ يتبع الهوان سمّي الهوان ذُلّاً. قال بعضهم: لا يجوز أن يذلّ الله
تعالى العبد ابتداءً؛ لأنّ ذلك ظلم، ولكن يذلّه عقوبة. ألا ترى أنّه من قاد غيره
على كره من غير استحقاق فقد ظلمه؟
و"الهوان" نقيض الكرامة، و"الإهانة" تدلّ على العداوة. و"الهوان" مأخوذ من تهوين
القدر.
وقد قيل في الذلّة: الضعف عن المقاومة، ونقيضها العزّة وهي القوّة على
الغلبة، ومنه الذلول وهو المَقُود من غير صعوبة؛ لأنّه ينقاد انقياد الضعيف عن
المقاومة، وأمّا الذليل فإنّه ينقاد على مشقّة(2).
* ترتيب مراحل النوم
أوّل النوم "النعاس": وهو أن يحتاج الإنسان إلى النوم.
ثم "الوسن": وهو ثقل النعاس.
ثمّ "الترنيق": وهو مخالطة النعاس العين.
ثمّ "الكرى" و"الغمض": وهما أن يكون الإنسان بين النائم واليقظان.
ثمّ "التغفيق": وهو النوم وأنت تسمع كلام القوم.
ثمّ "الإغفاء": وهو النوم الخفيف.
ثمّ "التهويم" و"الغرار" و"التهجاع": وهي النوم القليل.
ثمّ "الرقاد": وهو النوم الطويل.
ثمّ "الهجود" و"الهجوع" و"الهبوع": وهي النوم الغرق.
ثمّ "التسبيخ": وهو أشدّ النوم(3).
* نقرأ لكم عن الحُطَيْئة
الحُطَيْئة: شاعر الهجاء ذو الصفات السيّئة:
"الحطَيْئة"، هو "جرول بن أوس بن مالك"، وهو من فحول الشعراء ومقدّميهم وفصحائهم،
وكان ينصرف في جميع فنون الشعر من مَدح وهجاء وفخر ونسب ويجيد في جميع ذلك.
كان ذا شرّ وسفه، وكان إذا غضب على قبيلة انتمى إلى أخرى. زعم مرّة أنه ابن عمرو بن
علقمة من بني الحارث بن سدوس. وانتمى مرة إلى ذهل بن ثعلبة، وأخرى إلى بني عمرو بن
عوف. وله في ذلك أخبار مع كلّ قبيلة وأشعار مذكورة في ديوانه.
كان كثير الهجاء حتّى هجا أباه وأمّه وأخاه وزوجته ونفسه، وهو مخضرم أدرك الجاهلية
والإسلام. وكان أسلم في عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ ارتدّ ثم أسر وعاد
إلى الإسلام. وكان مُلحفاً شديد البخل، لا يقف إلحافه في السؤال عند حدّ، ولا يخجل
من التصريح في الاستكداء وفي إذلال نفسه في الحصول على مال.
وقد عُدّ "الحطيئة" في البخلاء. وقيل عنه إنّه كان "دنيء الطبع، لئيم النفس، كثير
الطمع، جعل الشعر متجراً، فكان له من الهجاء معاش ومكسبٌ؛ لأنّ الناس كانوا يهدون
له الهدايا خوفاً من شرّه.
قال الأصمعيّ: كان "الحطيئة" جشعاً سؤولاً ملحفاً دنيء النفس، كثير الشرّ قليل
الخير، بخيلاً قبيح المنظر، رثّ الهيئة مغموز النسب، فاسد الدين، وما تشاء أن تقول
في شعر شاعر ما من عيب إلّا وجدته فيه، وقلما تجد ذلك في شعره".
وكان قصير القامة، ولقصره هذا لقّب بالحطيئة. وكان ذميماً، قبيح الوجه، سيّئ
الهيئة، ولعلّ هذه الأمور هي التي صيّرته سيّئ الطبع، هجّاءً لكلّ أحد، فلا يسلم من
لسانه أحد.
قيل: "كان الحطيئة يرعى غنماً له، وفي يده عصا، فمرَّ به رجلٌ فقال: يا راعي الغنم
ما عندك؟ قال: عجراء من سلمٍ -يعني عصاه- قال: إنّي ضيف. فقال: "الحطيئة" للضيفان
أعددتها".
هجا أمّه بشعر موجع، منه قوله:
تنحّي فاقعدي منّي بعيداً |
أراح الله منك العالمينا |
وهجا أخاه وزوجته، فلمّا لم يبقَ أمامه أحد سلِم من هجائه إلّا نفسه، إذ اطّلع
في حوض فرأى وجهه فقال:
أبَتْ شفتاي اليومَ إلا تكلّما |
بسوء فما أدري لمَن أنا قائله |
أرى لي وجهاً شوّه الله خلقه |
فقبّح من وجه وقبّح حامله |
وقد جعل "المعرّي" هذا
الشعر عن نفسه، سبباً لدخوله الجنّة، لقوله بالصدق(4).
* موقفٌ وعبْرة
- يُروى أنّ جريراً كان أعقّ الناس بأبيه. وكان ابنه بلال عاقّاً به، فتشاتما
يوماً، وقد أغلظ بلال لأبيه فقالت له أمّه: يا عدوّ اللّه، أتقول هذا لأبيك؟
فقال جرير (زوجها): دعيه يا امرأة، فكأنّه سمعها منّي وأنا أقولها لأبي.
- وَرَد في "مَجمع الأمثال" أنّ عاقّاً رمى أمّه في وادٍ كثير السباع إرضاءً
لزوجته، فمرّ بها رجل وهي تبكي فقال: ما يبكيك؟
قالت: مضى ابني وأخاف أنْ يفترسه الأسد!
1.من كتاب: الجدول في إعراب القرآن الكريم، للمؤلف محمود بن عبد الرحيم صافي
(المتوفى: 1376هـ).
2.معجم الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري.
3.من كتاب فقه اللغة، أبو منصور الثعالبي.
4.المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، الجزء الرابع.