في الصمت الكبير لحدائق المعبد، يرفع راهب بوذي مطرقته بجلال، ويهوى بها على الصنج
النحاسي الضخم. فيتردد الصوت قوياً وعميقاً ثم يخمد على مهل.
هذه الحركة البسيطة والموحية تحتوي على سحر الصوت كله، وقوته العجيبة: الصوت هو أول
إشارات الاتصال وأكثرها مباشرة في عالم الأحياء.
* عالم الأصوات:
تجتاز الفضاء بشكل دائم أصوات من كل نوع، حفيف الأوراق، هزيم الرعد، زقزقة العصافير،
زئير الأسد، صفير القطار إلخ..
إن الظاهرة الصوتية هي إحدى أهم الظواهر الحياتية وأكثرها شيوعاً ليس فقط بالنسبة
إلى البشر، ولكن كذلك بالنسبة إلى معظم الحيوانات؛ فبالصوت تنقل هذه الأخيرة
المعلومات، وتظهر عدوانيتها وخوفها وكذلك حبها لشريكها في موسم التناسل. وهكذا
يمكننا القول بأن تصرفات كثيرة في عالم الأحياء تنتج عن الصوت.
* الرئة البلورية للزجاج: ما هو الصوت؟
فلنقم بتجربة بسيطة لكي نفهم ظاهرة صوت: نأخذ كوباً زجاجياً، رقيقاً جداً والأفضل
أن يكون من البلور وننقر عليه نقراً خفيفاً. فينطلق من الكوب صوت متواصل الذبذبة،
فلنمسك بطرف الكوب بين أصابعنا: عندئذٍ يتوقف الصوت مباشرة. ماذا حدث؟
بلمسنا الكوب ألغينا سبب الصوت، أي الذبذبة التي سببتها نقرتنا عليه، وحين أوقفنا
الذبذبة ألغينا الصوت.
* فلنحدث الفراغ:
فلنضع الآن منبهاً تحت إناء من الزجاج مقلوب ومفرغ من الهواء بواسطة منفاخ. ولننظر
ما سيحدث: حين يبدأ المنبه بالرنين، نلاحظ أنه لا يصلنا أي صوت، ونستنتج من هاتين
التجربتين (تجربة الكوب الزجاجي وتجربة الإناء المفرغ من الهواء) أنه لكي
يسمع صوت يجب اجتماع ثلاثة عناصر على الأقل: مصدر للذبذبات (الكوب، الجرس، إلخ)،
ووسط ينقل الذبذبات (الهواء أو أي جسم آخر، كالماء، والمعادن، إلخ..) ومتلق (في
الحالة الحاضرة، أذننا) يسجل الذبذبات كأصوات.
* صمت المروحة:
لكي يمكن أحداث صوت، يجب إذاً توفير مصدر للذبذبة، أي مصدر يحدث حركة من الأمام إلى
الوراء، لو أخذنا مثلاً، مروحة وحرَّكناها من الأمام إلى الوراء، فإننا لا نسمع
شيئاً. مع أن عنصرين أساسيين قد وجدا: الوسط (الهواء) والمتلقي (أذننا). فإذاً
لِمَ لا يحدث أي صوت؟
لأن الذبذبات بطيئة جداً. والحركة من الأمام إلى الوراء مع المروحة بطيئة نوعاً ما:
حركة في كل ثانية تقريباً أو أكثر بقليل. وبات من الثابت أن أذننا لا تلتقط إلا
الذبذبات السريعة جداً: حوالي 16 مرة في الثانية. لنتخيَّل أن سوبرمان يمسك
بالمروحة، ويتوصل إلى تحريكها، ليس مرة واحدة، بل مئة أو ألف أو مليون مرة في
الثانية؛ ولنسمع ماذا ينتج عن ذلك. حين يكثر عدد مراوحات المروحة، وحين يتزايد عدد
التذبذبات في الثانية، نبدأ سماع صوت رخيم نقول عنه أنه منخفض، وبقدر ما يتسارع
التردد، يتزايد الصوت دقة. ولكن حين يحرك سوبرمان المروحة أكثر من 000 ، 20 مرة في
الثانية، لا نسمع أي صوت.
الفرق بين الأصوات الرخيمة والأصوات الحادة لا يقوم إلا على الفرق بين عدد الذبذبات
في الثانية، أي على التردد الصوتي.
* رحلة الصوت:
إن الصوت، لكي يصل من مصدره إلى أذننا ينتشر في وسط الهواء، فلنشرح هذه الظاهرة.
لا يمكن القول إن جزيئات من المادة تصل إلينا بعد أن تبعث من مصدرها، بل هي موجات.
ينقل المصدر ذبذبته إلى جزئيات الهواء القريبة، وهذه الأخيرة تنقلها إلى جاراتها،
هذا ما يسميه الفيزيائيون بمجموعة موجات طولية (أي التي تحدث ذبذباتها في
الاتجاه ذاته للانتشار).
إن الصوت، في الهواء الجاف، وفي حرارة درجتها صفر ينتقل بسرعة حوالي 331م/ ثانية
أنه يجتاز الكيلومتر في ثلاث ثوان. إذا حسبنا إبان عاصفة، الوقت الذي ينقضي بين
البرق وهزيم الرعد، وقسمناه إلى ثلاثة، فإننا بذلك نعرف على أي مسافة (بالكيلومتر)
هبت العاصفة.
* الصدى:
والرسم في أسفل الصفحة يرينا، ارتداد الإشارة الصوتية المرسلة من بوق الباخرة، هذه
الظاهرة تتيح للبحارة أن يسمعوا بعد لحظة طويلة أو قصيرة، حسب المسافة التي تفصل
بين الباخرة وصخور الشاطئ، صدى صوت البوق ولكن بقوة أدنى.
بما أن للصوت في الهواء سرعة محددة، فحين يكون مدر الصوت قريباً بشكل زائد من
الحاجز الذي ترتد عنه موجة الصدى (الراجعة)، فإن هذه الأخيرة تلتقي بموجة
الصوت (الذاهبة) فيحدث هديرٌ، أي تراكب غير مفهوم لإشارات. هذه الظاهرة يمكن
أن تحدث في مغارة لأن جوانبها تصد الصوت عن مسافة قصيرة.