مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

من القلب إلى كل القلوب: أمير الاستشهاديين بحقّ(*)

سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)



قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ * وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 145-148).

* العمليّة الأضخم في تاريخ المقاومة
يوم 11-11-1982م اقتحم المجاهد المقاوم الاستشهاديّ أحمد قصير، بسيارته المليئة بالمتفجّرات، مبنى الحاكم العسكريّ الإسرائيليّ في مدينة صور، في أوّل عملية استشهادية من هذا النوع في تاريخ المقاومة، بل في تاريخ الصراع مع العدوّ الإسرائيليّ. كان قد احتشد في المبنى عدد كبير من الضبّاط والجنود الإسرائيليين. وبحسب ما ذكرته الصحف الإسرائيلية في ذلك الوقت، قُتل 141 ضابطاً وجندياً، وأعلنت إسرائيل حداداً عاماً. كانت العمليّة الأضخم في الصراع العربيّ ـ الإسرائيليّ، فحتّى اليوم، بعد أكثر من 33 عاماً ما زالت عمليّة الاستشهاديّ أحمد قصير هي الأضخم والأقوى في تاريخ الصراع، وتاريخ المقاومة.

كان "أحمد" فاتح عصر الاستشهاديين العظام، واستحقّ بكلّ جدارة لقب "أمير الاستشهاديين"؛ لأنّ الأمير هو من يكون أمامهم وفي طليعتهم، يُضحّي معهم في صفوفهم، يحمل معاناتهم، يشعر بآلامهم، يحمل آمالهم، لذلك هو الأمير بحقّ.

منذ ذلك التاريخ، اتّخذ حزب الله هذا اليوم من كلّ عام يوماً لشهيد حزب الله ويوماً لشهدائه، وهو بمثابة الذكرى السنوية لكلّ شهيد، وما زال يلتحق بهذه القافلة العزيز تلو العزيز، والشهيد تلو الشهيد.

* لماذا نبارك للشهداء؟
في يوم الشهيد، إنّ أوّل من يجب أن نتحدّث عنه هم الشهداء. لنتحدّث، في هذا اليوم، عن مشاعرنا الحقيقيّة، عن فهمنا ومعرفتنا وثقافتنا، نحن الذين بقينا على قيد الحياة نَغبط هؤلاء الشهداء، نغبطهم ونبارك لهم، لماذا؟

أولاً: نغبطهم؛ لأنّهم انعتقوا وتحرّروا من سجن الدنيا الفانية الدنيّة، وانطلقوا إلى تلك الحياة الأبديّة الخالدة، إلى الجنان والنعيم الدائم، إلى جوار الله تعالى، حيث الكرامة والعزّة، والسلام، والطمأنينة، والأمن والأمان، والسعادة، وما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولأنّهم بشهادتهم أيضاً أصبحت حياتهم أشدّ وأقوى. هناك الحياة الحقيقيّة، أمّا الحياة هنا فهي لعب ولهو.

ثانياً: نشكرهم؛ لكلّ ما قدّموه من أجلنا، ومن أجل الناس، ومن أجل الأمّة والمقدّسات والحاضر والماضي والمستقبل. نحن، بحمد الله تعالى، في هذه المقاومة ممّن يعرفون النعمة ويشكرون صاحب النعمة على نعمته. والله عزّ وجلّ هو المنعم العظيم الأكبر، وقد مكّن بعض مخلوقاته من أن يُنعموا على الناس، فيجب أن نقرّ لأهل الفضل بالفضل. وهذا مقتضى الشرف، وبالشكر تدوم النعم، ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (إبراهيم: 7). على هذا الأساس يجب أن نتذكّر دائماً، ونستحضر دائماً ما قدّمه هؤلاء الشهداء لشعبنا، لأمتنا، لأجيالنا، لمستقبلنا.

ميزة الشهداء أنّهم قدّموا كلّ شيء، والجود بالنفس أسمى غاية الجود، ففي النتيجة والمحصّلة هذه انتصاراتهم هم، وهذه إنجازاتهم، ونحن نعيش في ظلّها.

* كلّ الإنجازات ببركة هذه الدماء
كلّ الإنجازات التي حصلت حتّى الآن هي ببركة هذه الدماء. لبنان اليوم بمنأى عن الخطر بنسبة كبيرة جداً، أيضاً ببركة هذه الدماء والتضحيات والشهداء من رجال المقاومة ومن ضبّاط وجنود الجيش اللبنانيّ، وما يحصل من دفع لكل هذه المخاطر عن المنطقة ككلّ، هو من إنجازات ونتائج هذه الدماء الزكية، وهذا من ثواب الدنيا: تحرير وحريّة وكرامة وأمن وسلام وعزّة.

ومن أهمّ الإنجازات أيضاً هذه الروح التي بعثها الشهداء في شعبنا وفي شعوب أمّتنا: روح الجهاد، روح المقاومة، روح الاستشهاد، العزّة، الكرامة... هذه اليقظة الروحيّة والمعنويّة، هذا الوعي، وهذا العزم، هذا الإحياء للنفوس، دماء الشهداء أحيت نفوس شبابنا وأجيالنا وشعبنا وشعوب أمتنا، وقدّمت ما هو ضمانة الاستمرار في طريق المقاومة وفي طريق الجهاد لتحقيق بقيّة الأهداف. إنّ دماء الشهداء كانت الأقوى قدرة على استنهاض الهمم، وعلى بعث الوعي، وعلى شحذ الإرادات والعزائم، والذي أدى إلى ما نحن عليه اليوم، بحمد الله عزّ وجل، من قوّة ومن تمكين ومن قدرة على مواجهة التهديدات والتحدّيات. هو بركة دماء الشهداء، وهذا هو سلاحنا الأقوى والأمضى.

حكومة العدوّ تستطيع أن تحاصر الشعب الفلسطينيّ، وهي تفعل ذلك، وتستطيع أن تقطع أوصال المناطق الفلسطينيّة، ولكنّها لا تستطيع أن تحاصر الأفراد فرداً فرداً، وأن تَمنع وصول سكّين إلى يد رجل أو امرأة، إلى شابّ أو شابّة، ولا تستطيع أن توقف هذه المواجهة طالما أنّ شباب فلسطين وشابّات فلسطين يملكون هذه الروح الجهاديّة الأصيلة والقويّة. مسؤوليّتنا أن نحافظ عليها؛ لأنّهم منذ عقود يعملون على كسر هذه الروح، على إسقاطها، وعلى تجميدها.

وهناك حروب تُشنّ في وسائل الإعلام، عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، وفي كلّ الوسائل المتاحة، من أجل التشكيك والتوهين والتشويه لهذه المقاومة، والهدف هو النيل من هذه الروح، هذا الذي يريدون أن يسلبوه منّا.

* الحفاظ على الروح الجهادية قويّة
مسؤوليّتنا أن نواجه هذا النوع من الحروب، ومسؤوليتنا أن نحفظ سلاح المقاومة لتحرير ما تبقّى من أرض، كذلك يجب أن نحافظ على هذه الروح. الكل يجب أن يتحمّل هذه المسؤولية: العلماء والخطباء، وسائل الإعلام، والنخب، والسياسيّون والأباء والأمهات، والزوجات، وعوائل الشهداء والجرحى. ونحن على ثقة بأنّنا نستطيع أن نحافظ على هذه الروح وأن نطوّرها، بل هي تقوى وتتطوّر وتمتدّ، وهذا يؤكّد فشل كلّ هذه الحروب التي قامت منذ عقود. وهذا التطوّر النوعيّ والكميّ الذي نجده في المقاومة، رجالاً، نساءً، صغاراً وكباراً خصوصاً في جيل الشباب والشابات، هو شكل آخر من أشكال انتصار المقاومة على أخطر الحروب التي تشنّ عليها. وهذا التطوّر في حركة المقاومة أيضاً هو من إنجازات وبركات دماء الشهداء.

* صبر العوائل من روحيّة الشهيد
اليوم ما زالت دماء الشهداء تدفعنا إلى الأمام، بركاتهم وروحيّتهم تحضُرنا في الساحات. ومن أهمّ مظاهر هذه الروحيّة عوائل الشهداء، الذين يكتسبون هذا الاسم وهذه الصفة، ويلتحقون بهذه الشريحة، عندما يقدّمون عزيزاً من أعزّائهم شهيداً في سبيل الله. عوائل الشهداء اليوم هم من ثمار هؤلاء الشهداء. هذه الحالة الإنسانية والأخلاقيّة والجهاديّة التي نجدها فيهم هي أيضاً من بركات هذه الدماء التي تترك آثارها في: الأب والأم، والزوجة، والأبناء، والبنات، والإخوة، والأخوات والأرحام والمحيط.

عندما ننظر إلى عوائل الشهداء، ننظر إلى أحد إنجازات هؤلاء الشهداء. إذ لم نرَ منهم إلّا الثبات والصبر، الاحتساب، والرضى بما اختاره الله سبحانه وتعالى، الشكر لله على ما اختاره لهم، الاعتزاز بشهدائهم والاستعداد للمزيد من العطاء والتضحية. وهذا ببركة هذه الدماء؛ لذلك عندما نملك في بلدنا وفي أمتنا أمثال هؤلاء الشهداء وأمثال هذه العوائل الشريفة والصابرة والعزيزة والكريمة، يجب أن لا نخشى التهديدات والتحدّيات، ويجب أن لا نسمح لليأس بالتسلّل إلينا.

شهداؤنا وجدوا حُسن ثواب الآخرة في البرزخ، وينتظرون القسم الأعظم في القيامة الكبرى، ونحن أيضاً ننعم بثواب الدنيا، هذه الكرامة، العزّة، الشرف، الإحساس بالقوة، القدرة على مواجهة التحديات، الأمن، الأمان، السلامة، الطمأنينة.


(*) كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) في مهرجان يوم الشهيد: 11-11-2015م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع