مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

البرهان العظيم على فضل أهل البيت عليهم السلام



 ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا*عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا* يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا* فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا. (الدهر/ 5- 11).

ورد في سبب نزول هذه الآيات الكريمة عن ابن عباس قال: إن الحسن والحسين مرضا فعادهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام (طبقاً لبعض الروايات أن الحسن الحسين أيضاً قالا نحن كذلك ننذر على أن نصوم) فشفيا وما كان معهم شيء، فاستقرض علي عليه السلام ثلاث أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعاً واختبزته، فوضعوا الأرغفة بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل، وقال: السلام عليكم، أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم اللَّه من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياماً.

فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه (وباتوا مرة أخرى لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياماً) ووقف عليهم أسير في الثالثة عند الغروب، ففعلوا مثل ذلك.
فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: "ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم". فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبريل عليه السلام وقال: خذها يا محمد هنّاك اللَّه في أهل بيتك فأقرأه السورة.
وقيل: إنّ الذي نزل من الآيات يبدأ من:  ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ حتى ﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا  إلى (18) آية.

ما أوردنا هو نص لحديث مع شيء من الاختصار جاء في كتاب الغدير تحت عنوان (القدر المشترك) وهذا الحديث من بين أحاديث كثيرة نقلت في هذا الباب، وذكر في الغدير أن الرواية المذكورة قد نقلت عن طريق (34) عالماً من علماء أهل السنّة المشهورين (مع ذكر اسم الكتاب والصفحة).
وعلى هذا فإن الرواية مشهورة بل متواترة عند أهل السنة.

واتفق علماء الشيعة على أن السورة أو ثمان عشرة آية من السورة قد نزلت في حق علي وفاطمة عليهما السلام وأوردوا هذه الرواية في كتبهم العديدة واعتبروها من مفاخر الروايات الحاكية عن فضائل أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، واشتهارها كان مدعاة لذكرها في الأشعار حتى أنها وردت في شعر (الإمام الشافعي) وتثار عند المتحجبين هنا حساسيات شديدة بمجرد وصولهم إلى رواية تذكر فضائل أمير المؤمنين عليه السلام حيث يعمدون إلى إظهار الإشكالات بهذا الشأن، ومنها:
1- إدعاؤهم بمكية السورة، والحال أن القصة قد حدثت بعد ولادة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، وما كانت ولادتهما إلا بالمدينة!

2- قولهم: إن للفظ الآية عام فكيف يمكن تخصيص ذلك بأفراد معيّنين، إن عمومية مفهوم الآية لا ينافي نزولها في أمر خاص، وهناك عمومية في كثير من آيات القرآن، والحال أن سبب نزولها الذي يكون مصداقاً تاماً لها يكن في أمر خاص، والعجب لمن يتخذ من عمومية آية ما دليلاً على نفي سبب النزول لها.

3- نقل بعضهم أسباباً أخرى لنزول هذه السورة وهي ما لا يتفق مع السبب الذي ذكرناه في نزول الآية، منها ما نقله السيوطي في الدر المنثور قال: إن رجلاً أسود كان يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التسبيح والتهليل فقال له عمر بن الخطاب: "مه أكثرت على رسول اللَّه" فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "مه يا عمر" وأنزلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم هل أتى.
وفي الدر المنثور عن ابن عمر قال: جاء رجل من الحبشة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "سل واستفهم"، فقال: يا رسول اللَّه فضلتم علينا بالألوان والصور والنبوة، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بمثل ما عملت به إني لكائن معك في الجنة؟ قال: "نعم، والذي نفسي بيده، إن هل يرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام" ثم بيّن ما يترتّب من الثواب لمن يقول لا إله إلا اللَّه وسبحان اللَّه وبحمده. ونزلت عليه السورة (هل أتى).
إن ما ذكر في هذه الروايات لا يتناسب مع مضمون آيات السورة، والمتوقع هو وضع هذه الرواية وتزويرها لدحض ما تقدم وما قيل في سبب النزول في حق علي عليه السلام.

4- الاحتجاج الآخر الذي يمكن ذكره هنا: كيف يمكن لإنسان أن يصوم ثلاثة أيام ولا يفطر إلاّ بالماء؟!
إن هذا الإشكال مدعاة للعجب لأننا نرى تطبيق ذلك عند بعض الناس إذ أن بعض المعالجات الطبية تستدعي لإمساك لمدة (40) يوماً، ولذا فإن الأيام الثلاث تعدُّ من السهل اليسير، ولا يتناول خلال الأربعين يوماً إلا الماء، وقد أدّى ذلك إلى شفاء الكثير من الأمراض، حتى أنّ طبيباً من الأطبّاء غير المسلمين يدعى (ألكسي سوفورين) كتب كتاباً في باب الآثار المهمة في الشفاء من جرّاء الإمساك مع ذكر أسلوب دقيق لذلك.

5- مرور بعضهم على هذه الفضيلة مروراً سريعاً ليدخل فيها عن طريق آخر كالألوسي إذ يقول: إن قلنا إن هذه السورة لم تر د في حق علي وفاطمة لم ينزل من قدرهم وشأنهم شيء لأنّ اتصافهم بالأبرار أمرٌ واضح للجميع ثم يبدأ بتبيان بعض فضائلهم فيقول: ماذا يمكن أن يقوله الإنسان في حق هذي العظيمين غير أن علياً عليه السلام أمير المؤمنين ووصي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وأن فاطمة بضعة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وأنها جزء من الوجود المحمدي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الحسنين روحه وريحانتاه وسيدا شباب أهل الجنة، ولكن لا يعني ذلك ترك الآخرين، ومن يتبع غير هذا فهو ضال.
ولكننا نقول إننا إذا ما تغاضينا عن هذه الفضيلة، فإن عاقبة بقية الأحاديث ستكون بنفس المنوال، وربما يحين يوم ينكر فيه البعض جميع فضائل أمير المؤمنين وسيدة النساء والحسنين عليهم السلام، والملاحظ أن أمير المؤمنين عليه السلام قد احتجّ على مخالفيه في كثير من المواطن بهذه الآيات لتبيان حقوقه وفضائله وأهل بيته.
وذكر الأسير الذي أطعموه، خير دليل على نزول الآيات بالمدينة إذ لم يكن للمسلمين أسير بمكة وذلك لعدم شروع الغزوات.

والملاحظة الأخيرة التي لا بد من ذكرها هنا هو قول بعض العلماء المفسرين ومنهم المفسر المشهور الألوسي، وهو من أهل السنة قال: إن كثيراً من النعم الحسية قد ذكرت في هذه السورة إلا الحور العين التي غالباً ما يعتبرها القرآن من نعم الجنان، وهذا إنما هو لنزول السورة بحق فاطمة عليها السلام وبعلها وبنيها عليهم السلام وإنّ اللَّه لم يأتِ بذكر الحور لعين إجلالاً واحتراماً لسيدة نساء العالمين.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع