دائماً يحلو الحديث عن المجاهدين ويعذب التحدث عن بطولاتهم وكلما ادلهمّت الخطوب
وزادت وُعورة الطريق، شعرنا بمسيس الحاجة إلى مدوّني التاريخ الثابتين الذين يهزأون
بالصعاب مهما كانت عسيرة.
فيا أيها الأحرار والحجة على العلماء ويا فخر الأمة الإسلامية كما وصفكم الإمام
الخميني الراحل قدس سره إن جهادكم الساطع والمشرق والمشعّ ملأ أرجاء المعمورة، يا
من حملتم الجرح الكربلائي النازف وثأرتم له، ويا من رفعتم راية الحسين عليه السلام وغرستموها على الرّبى المحتلة من أرضنا التي تقدّست بعطاء الشهداء، هنيئاً
لمن عرفكم وسار في خطكم وتعساً لمن خان بحق تضحياتكم، ذلك أن المتعامي عن إنجازاتكم
لهو مكابر، لأن المواقع التي آلفتموها والجبال التي أحببتم والأودية التي عشقتم
والتلال تنبئ وتخبر عن عظمتكم.
ولمن يُنكر هذا
الفضل نقول: سلوا جبل صافي وعلمان والشومرية والأحمدية، سلوا الطرقات الوعرة والحصى
التي تدغدغها قدم المقاوم وتفخر أنها لامست حذاءه وداعبته، سلوا الصهاينة وقادة
الاحتلال الإسرائيلي الذين اعترفوا بقدرة المقاومين على أن يقهروا الجيش الذي لا
يُقهر كما كانوا يعتقدون، فها هي الأسلحة بين أيديكم أشد فتكاً من آلة الحرب الحديث
وها هو الكاتيوشا ببركة جهادكم ودعاء السيد القائد الخامنئي (حفظه المولى) يتحول
إلى عصا موسى يلقف سِحْرَ ما صنع المستكبرون بينما يتلاشى السلاح المُعقَّد إذا ما
استعمله المحيطون والزاحفون..
إننا معكم أيها المقدّسون.. معكم وأنتم تسهرون.. معكم وأنتم تهبطون وادياً أو
تصعدون جبلاً.. إننا معكم وأنتم تحرسون وتكمنون وتدافعون وتنتشرون.. إن أطفالنا
باتوا يقلدونكم في أثناء لعبهم ويتعلمون منكم طريقة الهجوم على المواقع المحتلة من
أرضنا السليبة...
وإن الأمهات وهُنّ يرضعن أولادهن يغذينهم على حُبّكم، وإن قراكم ودساكركم التي فيها وُلدتم وترعرعتم باتت شامخة لسرّ طهر عطائكم، وإن هذا البلد (لبنان) لن يُحَبّ بعدكم لقمعه المكللة بالثلوج ولا لجباله وجماله وطبيعته، بل لامتزاج ترابه بدماء الشهداء.. حرب والموسوي وقصير وبرو والعاملي وغدور وأشمر.. فهؤلاء وغيرهم باتوا يشكّلون رمز الانتصار ولغز العشق الإلهي ومصدر القوة والإلهام لكل المقاومين ليتحول كل واحد منهم إلى قنبلة بشرية لزوال الاحتلال وسراج يُسرج لمستقبل هذه الأمة ليكونوا قناديل لها يضيئون الطريق ويبدّدون ظلام وضباب الاستسلام والهزيمة والركون. فنحن على يقين أن صدوركم لم تعُد تحتمل العدوان المتكرر على شعبنا الأبي، وهي وبلا أدنى شك تضطرب كلما تعرض آمن للخطر وهي بهذا تختزن الحمم والبراكين لتحكي هزة وتحدث زلزالاً لا يُبقي من الحثالات أحداً، وما المواجهات التي تصديتم لها في تموز ونيسان وغيرها إلا أدلة على ما يعمر قلوبكم،
وها هي عقماتا تشهد
على ضراوة بأسكم وعنفكم، فهناك زغردت بنادقكم برصاصاتها أنشودة النصر وحي على
الجهاد، وهناك تحوّل الموقع ـ المزار ـ إلى ما يشبه محراب الملائكة وأعراس الشهداء،
وتحوّلت الصخور إلى دروع حامية لحماة دين للَّه، فلكم أيها المقاومون كل مشاعرنا
والأحاسيس، ولكم قلوبنا رهن سواعدكم وقبضاتكم، ارشقوا بقلوبنا أهدافكم وقاتلوا بها
قدم القلوب تحجّر كالحديد، فها هو العدو يحقق أمانيكم ويواجهكم وجهاً لوجه ظناً منه
أنه سيهزمكم، وكما كانت المشكلة القديمة عند العرب حسب الزعم الصهيوني أنهم لا
يقرأون الخطط الإسرائيلية لضربهم، فإن مشكلة الصهاينة اليوم أنهم لا يتذكرون ماذا
حصدوا في لبنان وماذا لملموا من الجثث والأشلاء؟ ولن يتذكروا مجدداً إلا بعد إعادة
الكرّة وساعتئذٍ لن ينفع الندم.