أقدّم التهاني لكافّة المسلمين بمناسبة عيد الخامس عشر من
شعبان المبارك؛ فهذا شهرٌ عظيم؛ وُلد في الثالث منه أبو الأحرار والمجاهدين وفي
الخامس عشر منه وُلد المهدي الموعود أرواحنا له الفداء.
* المنقذ الحقيقيّ للإنسانية
إنّ قضيّة غيبة صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، قضيّة مهمّة، نفهم من
خلالها العديد من المسائل، منها: أنّ الله لم يدّخر إنساناً ينهض بهذا العمل
الجبّار في بسط العدل بمعناه الحقيقيّ في كلّ المعمورة إلّا المهديّ الموعود -سلام
الله عليه-. فكلّ الأنبياء جاؤوا لتطبيق العدل وكانت مهمّتهم نشر العدل في ربوع
العالم برمّته، ولكن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو المدّخر لذلك.
* عدالة على مستوى الإنسانية أيضاً
إنّ من يُكتب له النجاح في تحقيق هذا الهدف سيكون قد نشر العدالة في كافّة أنحاء
العالم، وليست العدالة التي يفهمها عامّة الناس، والمتمثّلة في بسط العدل على الأرض
لتحقيق الرفاهية للناس فقط، بل العدالة في المراحل والدرجات الإنسانيّة كافّة.
فالإنسان إذا ما انحرف عن جادّة الصواب انحرافاً عمليّاً أو روحيّاً أو عقليّاً،
فمعالجة هذه الانحرافات بالمعنى الحقيقيّ تكون بعودة الإنسان المنحرف خُلقياً إلى
جادّة الاعتدال، ويعني ذلك تحقيق العدالة في داخله. وإذا ما طرأ أيّ انحراف أو سقم
على عقائد الإنسان، فإنّ تعديل هذه العقائد المعوجّة والسقيمة، والعمل على تصحيحها
وجعلها على الصراط المستقيم، يُعدّان بسطاً للعدل على صعيد عقل الإنسان. ففي عصر
ظهور المهديّ الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي ادّخره الله سيتم ذلك. بما
أنه لم يتيسّر لأحد من الأولين والآخرين -سوى الإمام المهديّ الموعود- أن يبسط
العدل في كلّ العالم، فالله تبارك وتعالى قد ادّخره ليقيم ما كان يتمناه جميع
الأنبياء إلّا أنّ العقبات التي واجهوها حالت دون تطبيقه، وكذلك ما كان يتمنّاه
الأولياء، ولكن لم يتمكّنوا من تحقيقه.
* عيد الإنسانيّة الأكبر
إنّ فلسفة طول العمر الذي منحَه الله تبارك وتعالى لهذا المعصوم كانت من أجل أن
نفهم أنّ البشرية باتت تفتقر لمن يجدر به أن يقوم بهذا الأمر، فالأنبياء لم يُكتب
لهم النجاح، ولم يكن هناك أحد بعد الأنبياء وكبار الأولياء وآباء الإمام الموعود
عجل الله تعالى فرجه الشريف. ولو كان المهديّ الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف
قد ذهب مثل سائر الأولياء إلى جوار ربّه، فلم يبقَ إذاً في أوساط البشر أحد ليبسط
العدل. هذا الإنسان ادُّخر للقيام بمثل هذا الأمر، ولهذا السبب يعدّ عيد مولد صاحب
الأمر -أرواحنا له الفداء- أكبر عيد للبشريّة وليس للمسلمين فحسب.
وإذا كان عيد مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أكبر عيد للمسلمين، وهو لم
يتسنَّ له تحقيق كل ما يتطلّع إليه، فإنّ صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
سينجح في تنفيذ ذلك، وسيملأ العالم قسطاً وعدلاً في شتّى مراحل العدالة، وفي شتّى
مراحل القسط. لذا، بإمكاننا أن نقول إنّ عيد مولد المهديّ الموعود عجل الله تعالى
فرجه الشريف هو أكبر عيد للبشرية جمعاء. وعندما يظهر الإمام عجل الله تعالى فرجه
الشريف -نسأل الله تعالى أن يعجِّل في ظهوره- سينتشل الإنسانيّة من الانحطاط،
وسيعالج كلّ الانحرافات، ويملأ الأرض عدلاً بعدما مُلئت جوراً.
* المعنى الحقيقيّ لـ"يملأ الأرض عدلاً"
إنّ هذه العدالة لا تقتصر فقط على إيجاد حكومة عادلة خالية من الجور، بل تتعدّى إلى
ما هو أكثر من هذا المعنى. معنى "يملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت جوراً"، هو أنّ الأرض
قد مُلئت جوراً وهي تزداد سوءاً. فجميع النفوس الموجودة تعاني من الانحراف، حتّى
نفوس الشخصيّات المتكاملة تعاني من الانحراف ولو من حيث لا تعلم. فالأخلاق يعتريها
الانحراف، والعقائد يعتريها الانحراف، والأعمال يعتريها الانحراف، ولا يخفى
الانحراف في الأعمال التي يقوم بها الإنسان، وهو مأمورٌ بأن يعالج كلّ معوجّ وأن
يعيد كلّ الانحرافات إلى جادّة الاعتدال، ليصدق حقاً "يملأ الأرض عدلًا بعدما مُلئت
جوراً".
ومن هذا المنظار يعتبر هذا العيد عيداً للبشرية جمعاء، كما إنّه عيدٌ من أعياد
المسلمين وعيدُ الإنسانيّة برمّتها؛ حيث إنّه سيهدي البشرية جمعاء إنْ شاء الله،
ويضع حدّاً للظلم والجور في المعمورة كافّة، وفي معناه المطلق. ومن هذا المنطلق،
يُعدّ هذا العيد عيداً كبيراً.
* ضرورة الاستعداد لظهور المهديّ الموعود عجل الله تعالى
فرجه الشريف
علينا في مثل هذه الأيام، أيّام الله، أن ننتبه ونعمل على إعداد أنفسنا لظهور
الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. أنا لا أستطيع أن أُطلق عليه اسم "القائد"، فهو
أكبر من ذلك، ولا أستطيع أن أقول عنه "الشخص الأول"، لأنّه لا ثاني له. لا يمكننا
أن نصفه بأيّ نعت وصفة سوى أن نقول "المهديّ الموعود". فهو ذلك الذي ادّخره الله
للبشرية. وعلينا أن نعدّ أنفسنا بحيث إذا كتب لنا أن نلقاه –إن شاء الله- فلنلقه
بوجه أبيض. على الجميع الاهتمام بهذا المعنى وإعداد أنفسهم للقاء الإمام المهديّ
عجل الله تعالى فرجه الشريف.
نسأل الله أن يجعل هذا المولد السعيد مباركاً للجميع، ونسأل الله أن يوفّقنا وأن
يقرّ أعيننا بلقاء هذا الوجود المبارك، هذه الشخصية التي لا يمكننا حقيقةً أن
نعتبرها الشخصية الأولى في العالم ولا أن نصفها بالقائد، لأنّها أكبر من هذه
المسائل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(*) خطبة ألقاها سماحته قدس سره في ساحة طهران، أمام الشعب الإيراني في15
شعبان 1400هـ. ق.